الشبهة: يدعي بعض المتشككين بطلان حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، حيث قال: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أضحى – أو في فطر- إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها).
مستدلين على ذلك بـ:
- أن اضطراب الراوي واضح وظاهر في قوله: في أضحى أو فطر، وهذا كفيل برد الحديث.
- أن هذا الحديث يعارض ما جاء به القرآن الكريم من تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والتكاليف و الجزاءات، قائلين: إن الإنسان لا يدخل الجنة أو النار إلا بعد إقامة الحجة عليه، فكيف يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أكثر أهل النار النساء، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله؟!
- أن هذا الحديث يتعارض مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن السيدة عائشة – رضي الله عنها -: «خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء» فكيف يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النساء إنهن ناقصات عقل ودين، ثم يأمرنا أن نأخذ ديننا عن امرأة غير مكتملة العقل؟!
وجوه إبطال الشبهة…
-
إن حديث «النساء ناقصات عقل ودين» صحيح لا اضطراب فيه؛ فقد رواه الشيخان في صحيحيهما، وما جاء فيه من شك الراوي أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- بشأن عدم ضبطه في أي العيدين لا يوجب الطعن فيه؛ لأنه قال ذلك خروجا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما وقد رواه غيره من الصحابة.
ومعلوم أن الحديث المذكور قيل في مناسبة كبيرة، هي العيد، وكان ذلك بعد أن انصرف النبي – صلى الله عليه وسلم- من صلاة العيد، كما أن جميع الروايات التي تحدثت عن أن الحديث قيل في يوم عيد لا غبار عليها، وفي الرواية التي أراد أبو سعيد أن يحدد فيها العيد على وجه الدقة تردد بين أن يكون هذا هو عيد الفطر، أو عيد الأضحى.
لقد أمسك هؤلاء بذلك الموقف، وظنوا أن فيه نوعا من الاضطراب الذي يوجب رد الحديث، فراحوا يطعنون في الحديث، ويرفضونه غير عالمين بأي أنواع الاضطراب يُرد الحديث.
- لا يتعارض الحديث مع ما جاء في القرآن الكريم بشأن جعل الرجال والنساء سواء في أصل الخلقة والتكليف؛ لأن القرآن وإن كان قد جعل الرجل والمرأة سواء في أشياء كثيرة، إلا أنه اختص كل واحد منهما بصفات ليست للآخر، فلكل واحد منهما طبيعة ووظيفة مختلفة عن الآخر؛ ليكملا بعضهما.
فقد سوى القرآن الكريم بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكليف، لكن اختص كل واحد منهما بأحكام دون الآخر:
إن الآيات التي تتناول الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والموالاة، وتكاليف الإسلام والإيمان، وادخار الأجر، وارتقاء الدرجات العلى في الجنة كثيرة صريحة فيما هدفت إليه، ولا تعارض بأي حال من الأحوال تلك الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن المرأة، مثل حديثنا المذكور.
إن الرجال والنساء في الإنسانية سواء. قال سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…” (الحجرات:13).
وقال سبحانه وتعالى: “… وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ…” (البقرة: ٢٢٨)، تلك هي درجات الرعاية و الحياطة، لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق.
هذه الآيات وغيرها في باب المساواة في القرآن كثير، ولكن حمل هذه الآيات لرد مثل الحديث السالف بدعوى أن فيه تحاملا على النساء أمر لا يصح؛ لأن ما أخبر عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم- ليس فيه ما يُشعر بظلم النساء، بل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قد بين أن ذلك – أي كثرة النساء في النار – يرجع إلى أنهن: (يُكثرن اللعن ويكفرن العشير).
ثم من أعلمنا أن النساء اللاتي في النار كلهن مؤمنات؛ فإن الكفار – رجالا ونساء – أكثر من المؤمنين عددا؟!
على أن ما استدل به هؤلاء المتوهمون من أن هذه الأحاديث تُعارض ما قرره القرآن من قواعد المساواة بين الرجل والمرأة من حيث التكاليف، يعد ضربا للنصوص بعضها ببعض. صحيح أن القرآن قد قرر المساواة في الحقوق والتكاليف بين الرجل والمرأة، لكنه قد وضع فوارق بين كل منهما، وميز كل واحد منهما بميزات ليست للآخر؛ فميز الرجل بالعقل والحكمة، وميز المرأة باللين والعاطفة.
وإن من العدل والمساواة اللذين قررهما الحق في كتابه الجليل.. الحساب والجزاء، فلم يخلق الجنة للذكور، والنار للإناث، بل إن الله – عز وجل- جعل العدل ميزانا يحاسب به عباده، لا فرق بين رجل وامرأة، قال تعالى: “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ” (الأنبياء:47).
إن الرسول – صلى الله عليه وسلم- لم يحتقر النساء كما ادعى هؤلاء، وإنما رفع من شأنهن، حين قال: (حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، و خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون) أخرجه الترمذي، وقال لمن سأله عن أحق الناس بحسن صحبته: (أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) صحيح مسلم. وقال لأحد الصحابة لما أراد أن يغزو معه فسأله صلى الله عليه وسلم: (أحيةٌ أمك؟، فقال الصحابي: نعم يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ويحك الزم رجلها، فثم الجنة) أخرجه بن ماجة.
وفي هذه الأحاديث التي ذكرها هؤلاء المنكرون فائدة عظيمة، وهي أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قد أمر النساء بشيء ينجيهن من عذاب جهنم وهو الصدقة، وقد تدافعت النساء بالصدقات في هذا اليوم بكثرة، خشية مما أخبرهم به رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والذي قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) صحيح البخاري.
- إن حديث: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فلا وجه للقول بتعارض حديث صحيح مع آخر موضوع.
ولا يعني قولنا بنكارة حديث “الحميراء” أننا نطعن في مكانة السيدة عائشة -رضي الله عنها- العلمية والدينية، كلا، بل إنها قد بلغت من العلم بأحكام الدين ما لم يبلغه آحاد الرجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مسروق: (والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يسألونها عن الفرائض)
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (ما أشكل علينا – أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علما)
فهذه بعض الآثار التي رويت في بيان سعة علم عائشة رضي الله عنها، وأتينا بذلك حتى لا يتوهم متوهم أننا نرد الباطل بغير دليل أو ندعي الحق بغير برهان، ولا بد من توضيح المعنى الصحيح للحديث الذي معنا حتى لا يتهم النبي – صلى الله عليه وسلم- بمعاداة المرأة أو الحط من قدرها.
المفهوم الصحيح لقول النبي: ناقصات عقل ودين في حق النساء:
إن من أوضح ما يدل عليه سياق الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم- وجه إلى النساء كلامه هذا على وجه المباسطة التي يعرفها ويمارسها كل منا في المناسبات، وليس أدل على ذلك من أنه جعل الحديث عن نقصان عقولهن توطئة وتمهيدا لما يناقض ذلك من القدرة التي أوتينها، وهي سلب عقول الرجال، والذهاب بلب الأشداء من أولي العزيمة والكلمة النافذة منهم، فهو كما يقول أحدنا لصاحبه: قصير ويأتي منك كل هذا الذي يعجز عنه الآخرون.
إذن فالحديث لا يركز على قصد الانتقاص من المرأة بمقدار ما يركز على التعجب من قوة سلطانها على الرجال.
الخلاصة:
- إن حديث «النساء ناقصات عقل ودين» حديث صحيح، بل إنه في أعلى درجات الصحة، فقد رواه الشيخان في صحيحيهما، ولا اضطراب فيه، وما وقع من أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- بشأن عدم تحديد أي العيدين كان من باب تحاشي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عبد الله بن عمر، بما يعضد رواية أبي سعيد الخدري، ويؤكد على صحة الحديث.
- القرآن الكريم سوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والتكاليف والجزاءات، ولكنه ميز كل جنس بميزات ليست للآخر، وما انبنى عليه حديث نقصان عقل المرأة ودينها، إنما هو مما اختصت به المرأة من أحكام تناسب طبيعة تكوينها.
- ما أخبر عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم- من أمور غيبية تتعلق بدخول الجنة أو النار أو أن أكثر أهلها النساء أو غير ذلك – إنما هو مما أعلمه الله من الغيب، وليس في ذلك جرأة منه – صلى الله عليه وسلم- على الله – عز وجل- وحاشاه من ذلك.
- حديث (خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء) منكر، ولا يعارض حديث (النساء ناقصات عقل ودين) كما يدعي هؤلاء؛ لأنه إذا ثبتت نكارة الحديث فقد بطل الاحتجاج به تلقائيا.
- نقصان الدين عند المرأة من باب أن الدين والإيمان والإسلام بمعنى واحد، والطاعات تسمى إيمانا ودينا، فإذا زادت تلك الطاعات زاد الدين، والعكس، إذن نقصان دين المرأة من باب قلة الطاعات في وقت تركها للصلاة والصوم.
- نقصان عقل المرأة ليس مقصورا على المعاملة في الدين فقط، بل العقل يطلق ويراد به المنهج الذي يلتزم به المرء، ويخضع نفسه إذا واجهه موقف معين، وهو حكمة ربانية لا بد منها لتكافؤ العلاقة بين الرجل والمرأة.
_______________________________________________
المصدر: بتصرف كبير عن موقع بيان الإسلام للرد على الشبهات http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=03-03-0050&value=&type=