السلام عليكم.. أنا شابة عمري 29 عاماً، حالتي الدينية ليست بالمثالية فهناك تقصير مني، لكني أحرص على المحافظة على الصلاة والذكر، منذ فترة دخلت على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ولفتني وجود حسابات لملحدين يتطاولون على الذات الإلهية، وذلك أثار غضبي كأي شخص يؤمن بالله، ودخلت معهم في مشادات كلامية، وكنت أقدم على محاورة الملحدين وأنكر عليهم ما يقولونه بأدلة ومقاطع للإعجاز العلمي في القرآن.
مشكلتي أني بعد فترة أصبحت أسأل نفسي أسئلة شبيهة بأسئلتهم، ولكني سرعان ما أستغفر الله على ذنبي، ودائماً بعد كل صلاة أدعو الله أن يثبت قلبي على دينه، ويزيدني إيماناً، ثم أعود للتساؤلات من جديد.
أنا متعبة جداً، أخشى أن يحاسبني الله على هذه الشكوك، أرجوكم أن تدلوني على مواقع أو كتب أو أي طريقة تخلصني من هذه الشكوك، وتقوي إيماني بالله، وهل أنا محاسبة على هذه الشكوك والتساؤلات؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للإيمان، وأن يُنير حياتك بالقرآن، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يتوفاك إليه على عمل صالح، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة– فإنه مما لا شك فيه أن الدخول في معترك محاورة الملحدين ونحن لسنا على استعداد أمر في غاية الخطورة، والدليل على ذلك أنك أنت الآن أصبحت في حالة ما كنت تتمنين أن تصلي إليها، ولو أنك التزمت البعد عن هؤلاء، وعدم مخالطتهم أو مناظرتهم أو الكلام معهم، لكان قلبك سليمًا سالمًا، ولكن دائمًا شأن الشبهة والبدعة أنها تنتقل إلى الإنسان دون أن يدري، خاصة إذا كان لم يكن لديه القدر الوافي من العلم الشرعي، وها أنت الآن قد وقعت في تلك الشكوك التي أسأل الله أن يُخرجك منها على خير.
أولاً: نحب أن نبيِّن لك أن الأمر إذا كان مجرد شيء في القلب ولم تتلفظي به، -فإن شاء الله تعالى- ليس عليك شيء، ولكن الذي يُخشى منه أن هذه الشكوك قد تزيد وتشتد حتى تفقدي الثقة في إيمانك، وحتى تفقدي الثقة في ربك وفي دينك، وبالتالي تستخفين بالصلاة وبالعبادات التي تحافظين عليها إلى الآن، ومن هنا فإني أولاً أتمنى أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم كثيرًا.
ثانيًا: كلما جاءتك هذه الأفكار حاولي أن تطارديها ولا تستسلمي لها، ولا تعطي فرصة لعقلك أن يفكّر فيها أبدًا لا سلبًا ولا إيجابًا، لأن التفكير فيها يعطيها مساحة من الذاكرة والتشعب، وتتبعها فكرة فكرة، وبالتالي يصعب التخلص منها بعد ذلك، كلما شعرت بأن هذه الفكرة سوف تهاجمك أو تظهر في عقلك، حاولي أن تطارديها بإبعادها عن التفكير فيها، أو بتشتيتها، والتشتيت يكون بالنظر -مثلاً- يمينًا ويسارًا، تغيير الواقع الذي أنت عليه، إذا كنت وحدك فقومي واحتكِ مثلاً بأهلك أو غيرهم، إذا كنت نائمة فقومي واجلسي، إذا كنت جالسة تحركي، أو النظر في التلفاز، أو قراءة أي شيء، المهم أن تقاومي هذه الأفكار ولا تستسلمي لها، واجتهدي قدر الاستطاعة في تشتيتها حتى لا تستقر في ذهنك.
كذلك أيضًا عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يثبتك على الحق، خاصة قول الله تعالى: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” (آل عمران:8) كذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) كذلك دعاء (اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي، وكره إليَّ الكفر والفسوق والعصيان) كذلك دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت) كذلك قول عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: (اللهم لا تنزعني من الإسلام، ولا تنزع الإسلام مني) كذلك قول الله تعالى: “… تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ” (يوسف:101)، عليك بالدعاء بهذه الأدعية معظم أوقاتك حتى تستطيعي أن تحاصري هذه الأفكار السلبية، وأن تُخرجيها من ذاكرتك.
محاورة الملحدين.. لا تجيد السباحة لا تقترب!
مما لا شك أنها لن تخرج بصفة نهائية، ولكن على الأقل سيكون دورها باهتا أو ضعيفا، وتخرج بصفة نهائية بتعلم العلم الشرعي، ولن تؤثر على عقيدتك في المستقبل -بإذن الله تعالى-، أتمنى أن تدخلي إلى المواقع الدينية والعلمية المتخصصة، فإنك ستجدين فيها زادًا قويًّا ورائعًا يثبت الإيمان في قلبك، كذلك من الممكن أن تقرئي كتابا للشيخ عبد المجيد الزنداني (توحيد الخالق) فهو أيضًا إعجاز رائع، من الممكن أن تستفيدي منه، كذلك أيضًا مؤلفات الدكتور زغلول النجار، فإن فيها أيضًا كذلك أشياء كثيرة تتحدث عن عظمة الله تبارك وتعالى وجلاله، حتى تطاردي هذه الأفكار وتُخرجيها من ذاكرتك إلى غير رجعة.
الأمر ليس مستحيلاً، ولكنه يحتاج إلى نوع من التضحية، وأنت قادرة على ذلك، ولكن أهم شيء عدم الدخول إلى هذه المواقع مرة أخرى، وعدم مناظرة أي أحد من أصحاب البدع أو الضلالات مطلقًا، وإنما اتركيه، لأنك ما دمتِ لا تُجيدين السباحة لا ينبغي لك أن تجتهدي في إنقاذ الغريق، الذي يجب عليه أن يُنقذ الغريق هو القادر على إنقاذه وإنقاذ نفسه، أما إذا كان غير قادر فليس مطالباً بأن يُنقذ الغريق؛ لأن الغريق قد يُمسك به فيغرق معه، وكذلك أنت أيضًا علمك الشرعي قد لا يكون وافرًا وكثيرًا، وإن كنت تصلين وتحافظين على الأذكار، فإن الحوار والكلام مع أهل الشبهات يختلف تمامًا عمَّا أنت عليه.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأوصيك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى بأن يثبتك الله على الحق، وأن يتوفاك مسلمة ويُحلقك بالصالحين، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.
_____________________________________________
المصدر: بتصرف عن موقع الإسلام ويب http://consult.islamweb.net/consult/index.php?page=Details&id=2194197