القصة منقولة من موقع (منتدى التوحيد) على لسان صاحبها.. لكن إرادة الله عز وجل وقدره منعته من إكمال سردها؛ لموته بعد عودته للإسلام بشهور قليلة في أحداث الثورة المصرية عام (2011).. رحمه الله تعالى، وتقبله من الشهداء..
لماذا تركت الدين في البداية…
لا أخفي عليكم أنني مسلم ككل المسلمين بالوراثة.. لكن الله خلق لي عقلاً كثير التساؤل وكثير التفكير بدرجة كبيرة.. وزاد عليّ التفكير والتساؤل وأنا في سن الثالثة عشر.
كانت التساؤلات في البداية بين الأديان فقط.. إذاً أنا لم أكن أشك في عدم وجود إله مطلقاً عندها.. ولكن كنت أبعد عن الإسلام رويداً رويداً بسبب كثرة التفكير والتساؤل.
وكانت التساؤلات في البداية بين الأديان فقط.. إذاً أنا لم أكن أشك في عدم وجود إله مطلقاً عندها.. ولكن كنت أبعد عن الإسلام رويداً رويداً بسبب كثرة التفكير والتساؤل.
عندما دخلت المرحلة الثانوية ودرست الفلسفة زادت الأمور سوءا للأسف.. فعقليتي منذ الصغر وهي ترفض التقليد بدون فهم أو الحفظ بدون فهم، فدرست الفلسفة من وجهة نظر عقلية وليس لمجرد الدراسة المدرسية العادية..
الفلسفة وسوء التوجيه كانا البداية!
وإضافة إلى ذلك.. القراءات الحرة لأعلام الأدب اللاتيني مثل (جابرييل جارسيا ماركيز، وألبرت كامي) وهم بالرغم من جمال وروعة أدبهم إلا أنه يزيد من حيرة الإنسان لأنه يؤسس الفكر الوجودي والعبثي الذي كان يعتنقه هؤلاء الأدباء..
الفلسفة والقراءة الحرة (غير الموجهة توجيهاً صحيحاً.. ولا ألوم نفسي على هذا بقدر ما ألوم عليه والدي، خاصة في عدم التوجيه إلى الأصح بدلاً من أن يتركني دون توجيه.. خاصةً وأنا في سن صغيرة حينها ومحبتي للقراءة كانت وما زالت رهيبة، فهي هوايتي الأولى والأخيرة. لذلك، سوء التوجيه جعل الوضع أسوأ وتحول الشك الجزئي إلى شك كلي).
لم يراودني يوماً ما شكٌ في وجودي.. لم أصل حينها إلى هذه الدرجة (الحمد لله)، لكن شككت في وجود الإله.. خاصةً أن الفكر التطوري مقتحم كل المجالات في الأحياء والجيولوجيا، ودرست نظرية داروين.. وقرأت أصل الأنواع لداروين وهنا كنت على مقربة من الإلحاد بنسبة 99% ولم يكن عندي أمل أصلاً أن يستطيع إنسان على كوكب الأرض أن يثبت لي وجود الله..
لا يوجد مؤمن واحد في الكون!!
وكنت أظن أن كل المؤمنين هم مقلدون بالوراثة.. خاصةً لأن في فترة شكي السابقة في الأديان درست المسيحية واليهودية من وجهة نظر محايدة، فلم أجدها تقبل العقل، ومع ذلك هناك علماء ومفكرون يهود ومسيحيون مؤمنون بهذه الخزعبلات؛ فوصل في بالي حكم نهائي عن المؤمنين عموماً أنهم ملحدون في الأصل لكن وارثون للأديان..
وأن ليس هناك مؤمن حقيقي على كوكب الأرض بل كلهم مؤمنون بالوراثة وليس هناك إله ولا شيء.. ولا أعرف حتى الآن سبب الشعور هذا الذي انتابني حينها.. لكن هذا ما حدث.
لن أخفيكم أنني كنت أبكي كثيراً من الحيرة والشعور بالحنق.. فكنت أجلس مع نفسي كثيراً معتزلاً عن الناس مستغرقاً في التفكير، لرغبتي الشديدة في إنهاء الحيرة التي جعلت حياتي جحيماً.. من كثرة التفكير زاد همي يوماً بعد يوم..
لكن مع الإسف زادت عصبيتي خاصةً في آخر ثمانية أشهر وأصبحت أخلاقي سيئة مع والدي ووالدتي، فأصبحت سريع الغضب ومتوتراً كثيراً، ولكن هذا لم يكن لشيء مع والدتي أو والدي أو أحد من إخوتي، لكني كنت أموت داخلياً من الحيرة والألم، ومن اليأس من الوصول إلى اليقين، وما زاد الموضوع سوءاً أني كنت لا أستطيع أن أصرح بما في داخلي لوالدي ووالدتي!
وهذا يزيد الضغط والتوتر والعصبية علي.. فتخرج هذه العصبية في أسلوب ردود متوترة وعصبية على الأصدقاء والعائلة، لكن الله يعلم أني لم أكن أقصد هذا حينها.. لكن حالتي النفسية حينها كانت هكذا، بسبب هذا الشك.. وهذا المرض الذي كنت أتمنى أن يأخذوا مني كل شيء.. كل شيء.. لكن يعطوني راحة بال الموظف العادي والعامل العادي الذي يمسح سيارتي أو الذي يقوم بخدمة لي.. كنت أنظر إلى الخادمة التي في المنزل بنظرة غبطة! أقول لو أني وصلت لليقين وأُخذ مني كل ما أملك وأصبحت فقيراً مثل هذه المرأة لكنت أسعد الناس!!
كنت من كثرة الشك أقترب من أن أعلنها صريحة لنفسي: أن ليس هناك إله.. وأترك كل شيء يقيناً.. لكن الخوف كان ينتابني، وكنت أشعر بوجود هدف للحياة، شعور يجعلني أنبذ الإلحاد وأتركه..
هذا الشعور يجعل عقلي يستهزئ بفكرة عبثية الكون.. ليس لأي سبب منطقي ولا علمي، بل هو شعور غريب داخلي لا أقدر على تفسيره قدر ما كان يدفعني هو ويحثني على البحث والنظر بسخافة إلى الإلحاد والعبثية..
على قدر ما كان يوقظني من النوم مرعوباً وخائفاً، أن تكون هناك حياة أخرى أحاسب فيها على إلحادي هذا وكفري! أخاف أن أكون أنكرت إلهي الذي خلقني وهو موجود بالفعل!! فكيف سيكون موقفي عندها..
وعندها يزيد عندي الشعور بسخافة الإلحاد، ويزداد بكائي وحيرتي.. وأتكلم مع الإله بكلام مثل (أنت لو موجود لماذا لا تساعدني؟!).. (لماذا تتركني هكذا في حيرتي إن كنت موجوداً!).. وهكذا من الحوارات التخيلية التي كانت تدور بيني وأوجهها إلى السماء حانقاً غاضباً مما أمر فيه..
وأنا أعض الأنامل الآن ندماً على ما بدر مني بحق الله.. لكن الله يعلم أني حينها لم أكن أفعلها تكبراً.. بل أفعلها من كثرة الحيرة والشعور بانسداد الطريق أمامي.. لدرجة أني تمنيت منه أنه لو كان موجودا أن يهديني حتى ولو يأخذ روحي بعدها وأموت!
إما إلحاد وإما إيمان..
قبل ما يقرب من تسعة أشهر قررت أن أحسم الموضوع إما إلحاد وإما إيمان.. إما هناك إله أو ليس هناك إله.. صراحة قررت ذلك بدون رجعة، لأني تعبت من الشك، فقلت في نفسي إن وجدت الإلحاد حقاً سوف أتبعه ولا أنظر خلفي مرة أخرى.. لأني لن أظل في هذه الحيرة مدى حياتي بل وضعت حداً لنهاية هذه الحيرة.
وعندها قررت أن أعصر عقلي هذه الفترة وأزيد من قراءتي وأعتكف على قراءة الكتب بحثاً عن اليقين إلحاد أو إيمان.. فكان شغلي الشاغل وهمي الأول.. وكنت أضع خطة منهجية لبحث القضية وأرشح لنفسي كتباً قيمة وأضعها ثم أبدأ في الدراسة والقراءة المتأنية.
فوضعت كتباً مثل (صراع مع الملاحدة حتى العظم) و(كواشف زيوف) و(كيف ترى الله – لعبد الودود شلبي) وكثير كثير من الكتب التي تعالج القضية.
وكان أملي عند بداية قراءة كل كتاب أني في نهاية هذا الكتاب سأصل إلى اليقين وأصل إلى الحل!.. فمثلاً في كواشف زيوف (750) صفحة، أقرأ كل يوم وعلى أمل في النهاية أني أتحصل على الإيمان منها في النهاية عندما أصل إلى نهاية الكتاب!..
ولكن مع الأسف بعد نهاية فترة القراءة التي كانت تقترب من الأسبوعين من القراءة المركزة!.. أصل إلى لا شيء. فيزيد هذا توتري ويتحول التوتر إلى غضب وأقوم بتكسير ما على مكتبي من أشياء من الغضب والشعور بالحيرة.
كنت بمثابة رجل ميت يمشي.. ويزيد عندي ضيق الدنيا حتى تصل درجة أقل من ثقب الإبرة.. وهكذا الحال مع كل الكتب حتى وصلت مكتبتي المقروءة إلى ما يقرب من مائة كتاب وما يزيد على ذلك، من الكتب الكبيرة الحجم والتي تحمل أسامي رنانة للكتّاب الكبار والشيوخ المحترمين.. ولكن الفيصل كان في القضية بعد فقدان الأمل في كل شيء وتجربة كل شيء!
رحلةٌ داخل جهازي الهضمي!
كنت يوماً آكل طعامي في غرفتي فسألت نفسي كيف تحدث عملية الهضم هذه؟!! وكيف أني لا أفعل شيئاً سوى المضغ فقط!! ولا أفعل أي شيء أو مجهود ولا أقوم حتى بالإشراف على هذه العملية المعقدة!! ومن علم بحاجاتي هذه كلها ووضع لي الأعضاء المخصصة لذلك؟!!..
بدأ السؤال في شيء صغير لا يلحظه الإنسان!! هي الأسنان!! كيف أن الأسنان منتظمة بطريقة تسهل على الإنسان المضغ والقطع!! في البداية الأنياب التي بها يقطع الأجزاء الكبيرة، وبعدها القواطع التي تقطع الطعام إلى أجزاء ؤصغيرة.
ما أجمل القوانين الفيزيائية التي عَرِفت أني أحتاج إلى أسنان بهذا التنظيم وخلقتها لي!!! بعدها في نفس الوقت وأثناء عملية مضغ الطعام تفرز الغدة اللعابية السائل اللعابي الذي يقسم المواد ويحول النشويات إلى سكر ليسهل عملية الهضم!.. شكراً للطبيعة!!!
(اللسان) هذا العضو العضلي، قلت كيف يميز هذا العضو الصغير بين المر والحلو وكيف أننا بدونه لا نستطيع أن نتذوق شيئاً! وعندها لا يمكننا معرفة طعم أي شيء ولن يكون هناك معنى للأكل ولا الشرب!! يا حبيبتي يا طبيعة!!
كل هذا وأنا أمضغ الأكل فقط!! كل هذه التجهيزات في الفم فقط!! مرحى.. فقد خلقت لي الطبيعة الحبيبة لوزتين!! لمنع البكتريا الهوائية والفيروسات من الدخول إلى الجسم.. شكراً للطبيعة!! الطبيعة خلقت لي جهازاً مناعياً من اللوزتين والعقد الليمفاوية للدفاع عني.
هذا فقط في الفم!!
وعندما قلت لنفسي: ماذا يحدث بعد؟ هل هذه نهاية رحلة الطعام؟ تجد أن الطبيعة الحبيبة!! زودت الفم بالمريء ولسان المزمار وبقناة هضمية..
ثم ننتقل إلى القناة الهضمية ثم إلى المعدة (هذا الكيس العضلي الموجود داخل بطن الإنسان) وماذا يحدث فيه؟
بعدما يستقر الطعام في المعدة تفرز العصارات الهضمية المتعددة والتي تساعد بطريقة غريبة ومنظمة!! على هضم الأكل.. والغريب والعجيب!! أن الطبيعة الحبيبة جعلت لكل عصارة غدة إفرازية منسقة لإفرازها.. والغريب أن الغدد هذه تقيس نسبة الإفرازات والمواد في الدم! وعلى أساسها يتحكم في كمية الإفرازات التي تفرزها!
فتجد الكبد يفرز العصارة الصفراوية التي تحلل الدهون إلى مواد أقل تعقيداً ليتغذى بها الدم.. وليس هذا ما يفعله الكبد فقط.. الكبد أشبه بمعمل لتحليل السموم المضرة التي قد تصيب الإنسان، ويقوم بضبط مستوى السكر في الدم وتخزين الزائد عن حاجة الإنسان.
وعندما يمر به الدم يقوم بتنقيته وتحليله وطرد السموم منه كأفضل من أي معمل على وجه الأرض!!!
والحبيبة الطبيعة!! قامت بتنظيم الإفرازات العصارية في الكبد فلا تجد العصارة الصفراوية تفرز في أوقات عدم الأكل أو أثناء عدم وجود طعام في المعدة!! ثم خلقت لي عضواً لتخزين العصارة الصفراوية (المرارة) حتى يتم تدفقها عند دخول الطعام وتخزينها عندما لا يكون هناك طعام!! ولو تحدثت مع نفسي فقط عن وظائف الكبد حينها!! لكنت غفوت ونمت وضاعت علي الوجبة التي كنت آكلها!!
يأتي المايسترو (البنكرياس) و(جزر لانجرهانز)!! وما به من تعقيد رهيب في تركيبه!! لكن افترضت أن الصدفة الحبيبة هي من وضعته في مكانه هذا!! لكن نظرت إلى عمله!! فساد الصمت على نفسي وبدأت أفكر كيف يعمل؟!!
كيف أنه يفرز الأنزيمات الهاضمة التي تساعد على هضم المواد داخل المعدة ثم جعلت هذه الإفرازات التي يفرزها البنكرياس تقوم بالحفاظ على تعادل نسبة الأحماض في المعدة!!! يا لقوانين الفيزياء التي لها كل هذه الحكمة و العقل!!!
كل إنسان لديه نفس تحتاج دائماً لترويض، فكل إنسان يدور بينه وبين نفسه هذا الصراع الداخلي الدائم، ما بين طاعة النفس والشهوات وما بين كبح جماحها وترويضها، والنفس دائماً مولعة بالتكذيب والجحود والإنكار، ولا يسيطر عليها إلا من رحم ربي، لذلك كان لزاماً علي أن أضع هذه النفس الجاحدة المستنكرة في قفص الاتهام، وأوجه لها اللكمات الواحدة تلو الأخرى.
لكمات من براهين وأدلة ساطعة، حتى تخضع وتستسلم للحق والنور، لأني مجرد أن شعرت بوجود بصيص صغير من النور، حتى وإن كان هذا النور في نهاية الطريق، لذلك كان علي أن أزيل هذه التراكمات التي على النفس، فبعد كل هذه البراهين الواضحة!! وكل هذا الإتقان! والعقل و الحكمة! لم تهدأ النفس بعد!!
فأصررت أن أكمل التأمل والبحث، حتى تروض النفس وتهدأ، وتقبل سلطان الحق وتتبعه دون حنق أو شك.
أكملت رحلتي مع الطعام داخل الجسد، فبعد أن انتهيت من التفكر والتأمل في العملية المعقدة والمنظمة تنظيماً رهيباً داخل الجهاز الهضمي.
سألت نفسي ماذا بعد؟ ماذا يحدث في الفضلات والمواد الضارة في جسدي؟ وكيف يتخلص منها الجسم؟ وكيف يعرف الضار من النافع؟!!
فوجدت نفسي أمام منظومة أخرى أشد تعقيداً!! فالطبيعة الحبيبة (من محاسن الصدف)، لم تتركني هكذا بل وضعت لي منظومة إخراج على أعلى مستوى!! ولا أعرف كيف ستسعفني حينها المصطلحات الفيزيائية والتطورية في تفسير ما أراه!! من إبداع و نظام!
بجانب أن الكبد يقوم بترشيح الدم من السموم والمواد الضارة، تجد الطبيعة الحبيبة!! وضعت لي كليتين لتخليص الدم من المواد الضارة وتثبيت معدلات الماء الصحيحة والأملاح المعدنية في الدم والجسم!.
إلى جانب ذلك فقد زودت (الطبيعة العمياء!!) الكليتين بشريان كلوي ووريد كلوي! وُضِعا في الكليتين صدفة!
سألت نفسي كمنكر لوجود الله حينها، كيف يمكنني أن أفسر كل هذا بالصدف والعشوائية والقوانين الفيزيائية؟!!
هل يصح بعد كل هذا التنظيم والروعة والإبداع والتصميم أن أنسب كل هذا إلى العشوائية والصدف المتلاحقة؟!!
كل ها يحدث في جسمي وأنا غافل عنه!! وفقط كل هذا في وجبة صغيرة تغديت عليها!! والمصيبة أن كل هذه العمليات تعمل دون تدخل مني أو مراقبة أو إشراف!!
كان الشك يزول تدريجياً وتقل كفة الترجيح على الإلحاد بسبب القراءة.. لكن القراءة لم تكن الفيصل في دخول اليقين قلبي.
ولكنها قربتني بفضل الله منه كثيراً
ولكن هدوء القلب والسكينة لم تأتِ لي إلا بفضل الله ورحمته.. والتأمل والتفكر في مخلوقات الله عز وجل.. الحمد لله على فضله ونعمته.
(رحمة الله على الأخ الفاضل الذي أراد الله عز وجل أن يصطفيه بعد أن يطهره من براثن الإلحاد.. نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله تعالى)
____________________________________________
المصدر: بتصرف كبير عن كتاب/ العائدون إلى الفطرة، مركز دلائل، الطبعة الأولى، 2016