هناك عدة عوامل تتفاقم وتكبر مع الزمن تساهم في تحفيز الشباب على الإلحاد أو نبذ الدين، من أهمها الإعلام الخبيث الذي يتبنى تنمية هذا الفكر بطرق مختلفة…
هبة محمود عياصرة
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) رواه مسلم، كنت كلما تذكرت هذا الحديث تساءلت كيف سيعود غريبا بعد ما انتصر على الوثنية، والاعتقادات المترسخة من زمن طويل وسحقها وسفهها؟.. بعد كل الفتوحات الإسلامية التي حررت البلاد وسحقت الأنظمة القمعية واستعباد الناس، وفرضت أنظمة اقتصادية تضمن زوال الطبقية؛ فلا فقر مدقع ولا غنى فاحش، وفي الوقت ذاته تركت الناس يعبدون ما يريدون، فكان الإسلام كالشمس المشرقة التي أنارت الظلام، وكالماء الذي يروي الظمآن، فكيف بعد كل هذا يُنبذ الإسلام ويصبح مذموما، كيف يعود غريبا كما بدأ؟
وبالفعل ها هو يعود الإسلام غريبا، فتظهر منظمة تدعي أنها تسعى لإقامة دولة إسلامية من جهة، ومن جهة أخرى تقاتل المسلمين وتمثل بهم وتحرق الأسرى، ترتكب كل الجرائم التي لا صلة لها بالإسلام، تتعمد تشويه الدين في النفوس، وتستغل بعض وسائل الإعلام المسمومة هذه المنظمة فيؤازرها ويقويها رغم أنه يدعي محاربتها؛ لكنه في الواقع يقف معها جنبا إلى جنب لمحاربة الدين بطريقة خبيثة.
إنه يعود غريبا، وإن جيلا قادما يتهدده خطر كبير.. خطر الإلحاد، ويحضرني ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (علموا أولادكم غير ما تعلمتم وأعدوهم لزمان غير زمانكم)، إن هذه العبارة جديرة أن تكون قاعدة اجتماعية مهمه في وقتنا هذا، وجدير بكل الآباء والأمهات الجدد أن يأخذوها بعين الاعتبار، وأن يعلموا جيدا أن أبناءهم الصغار سيواجهون في مراهقتهم وشبابهم تحديات كثيره تحاول أن تودي بهم إلى الإلحاد، وإلى نبذ الدين والنظر إليه على أنه مجموعة أفكار خرافية لا علاقة لها بالحياة.
عوامل محفزة على الإلحاد
هناك عدة عوامل تتفاقم وتكبر مع الزمن تساهم في تحفيز الشباب على الإلحاد أو نبذ الدين، من أهمها الإعلام الخبيث الذي يتبنى تنمية هذا الفكر، فتجد قنوات تحظى بجمهور كبير ومشاهدات عالية تبث عشرات المسلسلات، المدبلجة بهمة عالية، رغم أن المطلع على تلك النوعية من الدراما يدرك أن فيها مسلسلات تحث على دمج الدين والقيم الإنسانية في الحياة، لكنها لا تُبث ولا تُدبلج على هذه القنوات، وجميع المسلسلات المدبلجة قصتها واحدة مع تغيير الأشخاص، تشجع على أن يفني المرء حياته في الانتقام من شخص ما، وتجعل البطل دائما في علاقة زواج وعلاقة حب، لكن زوج البطلة أو زوجة البطل دائما سيئ الطبع، والمحبوب هو الطيب المسكين، فيقللون من أهمية وقداسة العلاقة الزوجية واحترام الخيانة وتأييدها.
إنها مسلسلات تسعى لجعل الأجبال تتبع الشهوة والمادة والسير في الحياة بعيدا عن كل القيم والمبادئ، والأسوأ أنها تلقى حضورا كبيرا، فلا تكاد تدخل بيتا عربيا حتى تجد الأم تتابع بلهفة وحولها أطفالها فينشأ جيل نشأة تجعله أضعف ما يكون أمام دعوات الإلحاد في مرحلة المراهقة والشباب.
والعامل الآخر هو الإعلام الذي يدعو إلى الدين، نعم! الإعلام الذي يدعو إلى الدين في غالبه مع الأسف، بطريقة غير محسوسة يؤدي إلى إقناع الشباب بالإلحاد، فأغلب المشايخ والذين هم علماء حاصلين على أهم الشهادات يتبعون سياسة قمعيه للغاية، فلا يجوز في فكرهم أن يستخدم المرء عقله، بل عليه أن ينصت إليهم ويسير خلفهم كالأعمى، وأي اعتراض فهو حسب حكمهم منافق وفاسق، ولا أبالغ أبدا في ذلك، بل إنه الواقع المرير.
أذكر أني ذات مرة فتحت إحدى القنوات الدينية التي تضم أهم العلماء والمشايخ، وكان برنامجا يستقبل تساؤلات هاتفيه من المشاهدين، وكان أحد المتصلين يتساءل قائلا إنه سمع كلاما لمحاضر في التنمية البشرية يقول إن مدة الصيام يجب أن تكون حتى الليل وليس الغروب بسبب الآية الكريمة (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) بصرف النظر عن أن السؤال يتحدث عن أمر بديهي ومعروف، لكنه بالنسبة للمتصل سؤال مهم وأثار عنده شكوكا: لماذا هناك آية صريحة، بينما يطبق المسلمون أمرا مختلفا؟، ومن الطبيعي أن يجيب الشيخ عن التساؤل، ويبدد الغموض فيقول مثلا: إن كلمة الليل عند العرب كانت تعني غروب الشمس، أي أن الآية تقول إن الصيام ينتهي عند بداية الليل، وهو بداية الغروب، ولأن إلى حرف جر يفيد انتهاء الغاية الزمانية.
المهم أن الشيخ لم يقل ذلك أبدا، بل إنه انزعج، وكم أتمنى أن أقول له: لو أن طفلا صغيرا فسر آية أو ذكر أي معلومة دينيه بدليل وبرهان منطقيين، وأقنع العقل، فإنه أولى أن يؤخذ بكلامه من عالم يعطي الناس معلومة أو فتوى غريبة عجيبة دون أي برهان منطقي، إنهم حقا يمنعون الإنسان من استخدام عقله رغم أن القرآن يدعو دائما لاستخدام العقل، فيؤكد أن ذوي الألباب هم من يتذكرون، بل يدعو لتأمل الكون حتى في الفتاوى.
قال رسول الله في حديث صحيح ورد في الأربعين النووية (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) فإذا كانوا يقمعون الأسئلة العادية، فماذا لو أن مراهقا تساءل حول الذات الإلهية أو الوجود، بالطبع يقمع السؤال وينعت المراهق أنه ظال وعاصٍ.
وللأسف، فإن الآباء يقتدون بالمشايخ في سياسة القمع، مما يجعل المراهق يعتقد أنه لا إجابة لسؤاله، وأن الدين لا ينسجم مع العقل، لقد أصبحت الجهات التي تنبذ الدين كثيرة ومتعددة، حتى إن المناهج الدراسية في عدة دول عربية جرت عليها تعديلات فقط ليتم حذف آيات قرآنية وأحاديث وأدعية وجمل ذات دلالات دينية، دون أن يصدر مبرر مقنع لهذا التغيير.
ويبقى الأهل هم المسؤول الأول والأخير عما يؤول إليه فكر أبنائهم، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر، والآباء الذين يعلمون أطفالهم القرآن ويروون قصص أبطال الإسلام ويحدثونهم عن نيل رضا الله واجتناب سخطه في تقييمهم لسلوكهم، هؤلاء يغرسون في أبنائهم سلاحا فتاكا يقاوم كل الغزوات التي سيتعرضون لها في المراهقة والشباب.
إن الآباء الذين يرحمون أبناءهم ويبتعدون عن سياسة القمع، فيحترمون فكرهم ويمنحونهم مساحة من الحرية في الفكر والحركة، ويتحملون طفولتهم، هم أيضا يصنعون جيلا حرا قويا غير مهزوز، واثقا من نفسه ودينه، لا يحتمل أن يقول للظالم شكرا، ولا أن يقول للشيطان سمعا وطاعة، فلنخرج من الظلمات إلى النور ولنبدأ بأنفسنا وأولادنا، لنبدأ من بيوتنا، أليس كما تكونوا يولى عليكم.
___________________________________
المصدر: بتصرف عن مدونات الجزيرة
http://bit.ly/2t91vi2