إذا كان هذا القائل، أو غيره، قد زعم أن القرآن أساطير الأولين، وهو جاد في تهمته، وعنده من العلم ما يمكنه من المطابقة بين الأمرين، ليثبت أن القرآن مأخوذ من هذه الأساطير؛ فيقال له: القرآن قد تحداك، وتحدى البشر جميعا أن تأتوا بشيء من مثله؛ فهلا أخذتم من أساطير الأولين كما أخذ، وأتيتم بقرآن مثله، إن كنتم صادقين؟!!
(مقتطف من المقال)
إعداد/ فريق التحرير
كتاب الله تعالى.. دليلٌ يهدي الحيارى.. ونورٌ يضيء الظُلم.. ونبراس يشع على الكون بهجة وسلاما.. وبالرغم من كل ذلك.. استطاع الشيطان أن يتسلل لبعض الأنفس فأثار فيها الشبهات، وحول طمأنينة تأثير القرآن الكريم عليها لقلق واضطراب وتشكك…
مع كتاب الله تعالى في شهر رمضان.. نحلل الشبهات المختلفة، ونرصد القضايا المتعلقة به، ونقدم الأجوبة عليها…
تقول الشبهة: إن حكايات وأساطير خلق الكون كانت حكايات ذائعة الصيت، وأن وصف القرآن لهذه الآيات والحقائق لا يختلف كثيراً عما ترويه الأساطير البابلية والسومرية.
والجواب كما يلي:
ينبغي أن نعلم أولا، حتى يكون بحثنا بحثا علميا جادا، أن كلام كفار قريش لم يكن نقاشا جادا، ولم تكن رغبتهم صادقة في المعرفة والوصول إلى الحقيقة، إنما كان الأمر مجرد محاولات للتكذيب، وصرف القلوب والأسماع عن القرآن، كان محاولة لإغماض العيون عن ذلك النور الجديد الذي جاء، كما قال الله عنهم: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ” (فصلت:26)، والآيات في هذا كثيرة جدا، وأحداث السيرة ترجمان واقعي لذلك، لمن شاء أن يراجعها ويعلم ما فيها
ومن هذا الباب كان اتهام الكفار القرآن الكريم بأنه من أساطير الأولين، كما حكى الله عز وجل ذلك عنهم في آيات كثيرة، فقال سبحانه: “حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ” (الأنعام:25)، وقال عز وجل: “وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ” (الأنفال:31)، وقال عزَّ مِن قائل: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ” (النحل:24)، ونحو ذلك من الآيات.
وإذا كان هذا القائل، أو غيره، قد زعم أن القرآن أساطير الأولين، وهو جاد في تهمته، وعنده من العلم ما يمكنه من المطابقة بين الأمرين، ليثبت أن القرآن مأخوذ من هذه الأساطير؛ فيقال له: القرآن قد تحداك، وتحدى البشر جميعا أن تأتوا بشيء من مثله؛ فهلا أخذتم من أساطير الأولين كما أخذ، وأتيتم بقرآن مثله، إن كنتم صادقين؟!!
ولا أدل على كذب كفار قريش من قولهم (لو نشاء لقلنا مثل هذا) فما الذي أقعدهم عن الإتيان بسورة من مثل سور القرآن، كما تحداهم الله بقوله: “وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ” (البقرة:23).
يقول العلامة الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله في كتابه مدخل إلى القرآن الكريم: وهنا يقال بالبديهة لمن يزعم في هذا المصدر أو ذاك، أنه الأساس الذي بنى عليه القرآن أخباره، يقال: إذا كان هذا المصدر صالحا بالفعل للأخذ عنه، ألم يكن طبيعيا، وفي متناول معارضيه أن يلجأوا إليه، ويحطموا به طموح محمد؟!
ثانيا: ليس يكفي لمن يريد أن يثبت دعواه ضد القرآن الكريم أن يأتي بحقيقة في القرآن ليقول إن هذه الحقيقة كانت معروفة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن هذا الحدث التاريخي موجود عند أهل الكتاب، أو عند غيرهم من أهل الأخبار؛ فلا يقول عاقل إن على القرآن أن يخالف حقائق العلم والعقل المعروفة في زمانه حتى يثبت للناس أنه قد أتى بكل جديد، وليس مطلوبا منه أن يخترع تاريخا جديدا للخلق والناس، حتى يصدقوا أنه لم يتأثر بمعارف أهل التواريخ؛ فهذا لا يقوله عاقل يعرف ما يقول.
ومن ردود القرآن على هؤلاء الذين يطعنون في القرآن ويزعمون أنه أساطير الأولين: أنهم يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان، وإنما يدفعهم إلى ذلك كبر في نفوسهم عن الحق وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر، قال سبحانه وتعالى: “مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ” (غافر:4)، وقال سبحانه وتعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (غافر:٥٦).
إن الإنسان ليجادل في آيات الله ويكابر، وهي ظاهرة ناطقة معبرة عن الفطرة بلسان الفطرة، وهو يزعم لنفسه وللناس أنه إنما يناقش لأنه لم يقتنع، ويجادل لأنه غير مستيقن، والله العليم بعباده، السميع البصير المطلع على السرائر يقرر أنه الكبر، والكبر وحده هو الذي يحيك في الصدر وهو الذي يدعو صاحبه إلى الجدال فيما لا جدال فيه، الكبر والتطاول في ما هو أكبر من حقيقته، ومحاولة أخذ مكان ليس له، ولا تؤهله له حقيقته، وليست له حجة يجادل بها، ولا برهان يصدع به، إنما هو ذلك الكبر وحده.
فالقرآن فيه من كل مثل، وفيه من كل نمط من أنماط الخطاب، وفيه من كل وسيلة لإيقاظ القلوب والعقول، وفيه من شتى اللمسات الموحية العميقة التأثير، وهو يخاطب كل قلب وكل عقل في كل بيئة وكل محيط، وهو يخاطب النفس البشرية في كل حالاتها وفي كل طور من أطوارها، ولكنهم – بعد ذلك كله – يكذبون بكل آية، ولا يكتفون بالتكذيب، بل يتطاولون؛ لذلك يعقب على هذا الكفر والتطاول: “كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” (الروم:59).
المصادر: بتصرف عن
-
موقع الإسلام سؤال وجواب
-
موسوعة بيان الإسلام