خصصت ليديا جايجر Lydia Jaeger فصلين كاملين في كتابٍ حررته من مجموعة مقالات لبعض العلماء في فبراير/شباط 2011م بعنوان “من سفر التكوين إلى الجينوم” (De la Genèse au génome)كأدلة علمية تدعم نظرية التطور. وهذان الفصلان هما: “أدلة ومسائل واضحة حول نظرية التطور” (من صفحة 55 إلى 67) لعالم الوراثة الإنجيلي باسكل توزيت Pascal Touzet، و”الحفريات والتطور” لعالم الحفريات الكاثوليكي مارك جودنوت Marc Godinot – مدير دراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا- (من صفحة 69 إلى 83).
وفي هذا الكتاب المُجْمَع؛ أجمعَ المؤلفون على الاقتناع بنظرية التطور، ومنطِقها الدارويني، مؤيدين رأي عالم الوراثة ريتشارد غولدشميت Richard B. Goldschmidt، القائل بأن “جميع العقلاء يرون تطورَ عالم الحيوان والنبات حقيقةً لا تحتاج إلى دليل إضافي”. [مجلة العالِم الأمريكي 1952 – 40:84].
ويهدف هذا المقال إلى اختبار صحة أدلة ما طرحها عالمان مسيحيان – تم قبولها توافقيَّا من قبل المجتمع العلمي الدولي – للنظرية الاصطناعية الحديثة للتطور، أو ما يعرف أيضًا بالداروينية الحديثة. ولا ندَّعي أبدًا تقديم تفنيد شامل وممنهج للتطور؛ بل سنقف على الادعاءات التي تمت الإشارة إليها في كتاب “من سفر التكوين إلى الجينيوم”.
من الضروري -قبل الدخول في صلب الموضوع- تحديد المصطلحات المستخدمة في هذا المقال بوضوح، لتجنب اللبس. فلسنا نعتزم مناقشة سؤال أصل الحياة أو سؤال النشوء الحيوي هنا – كما يفعل المبشر المسيحي هنري بلوشر Henri Blocher-. وعليه فإن مصطلح التطور سيتم استخدامه في هذا المقال دلالةً على تحول في (النوع) يطرأ على نسل سلف مشترك عن طريق تغيرات في النوع، وهي ظاهرة تسمى في العلوم بـ “التطور الكبروي” (Macroevolution)، أما التباين في النوع الذي يشار إليه عادةً- عن طريق الخطأ- بـ “التطور الصغروي” (Microevolution) فلن يدرج ضمن هذا التعريف. كما تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن( توزيت) لم يكلف نفسه عناء التمييز بين المصطلحين حتى، فخلط بين المسارين من البداية، كما لو أن دليل التطور على نطاق صغير يُرسي دليل التطور العام، أو كأنهما مساران بالإمكان أن يأخذا مكان بعضهما.
شهادة السجل الأحفوري.
الحفريات هي الدليل الوحيد المباشر على التطور.
لقد أدرك داروين في زمنه أن نظرية التطور مرتبطة مصيريًا بالحفريات، فوفقًا لهذه النظرية-إن صحّت – فإن كمية هائلة من حفريات الكائنات الوسيطة يجب أن تكون حبيسة الطبقات الجيولوجية للأرض. حيث أن هذه الحفريات هي الدليل الوحيد المحتمل على وجود فترة انتقال بين أنواع مختلفة في ما مضى.
بيْد أن هذا الدليل الوحيد كان غائبا في عهد داروين. حيث أدرك داروين هذا النقص في الأشكال الوسيطة، لكنه عزاها إلى قلة عدد الحفريات المكتشفة والندرة الشديدة لتشكلها فيقول:”من المؤكد أن الجيولوجيا لا تكشف عن سلسلة عضوية جيدة التدرج؛ وهنا يكمن الاعتراض الأكثر خطورة على النظرية. لكنني أعتقد أن التفسير يكمن في القصور الشديد للوثائق الجيولوجية.”
ظنَّ داروين، أو بالأحرى أملَ، أن أبحاث علم الحفريات Paleontology ستؤكد صحة نظريته في حياته، فقد ظل متمسكًا بهذه الفرضية التي أصبحت نظَّارته التي يرى بها العالم.
ولكن متاحف العالم اليوم تعج بأكثر من 200 مليون حفرية، بحيث يستحيل القول بأن السجل الأحفوري غير مكتمل. وكما كتب كارل فيرنر Carl Werner مستشهدًا بعدد من علماء الحفريات المشهورين، “إن أرشيفات الحفريات مكتملة ومتوازنة ودقيقة ومثيرة للإعجاب.”[3] إذًا، ماذا تُعلمنا الحفريات؟ اليوم…بعد مرور 150 عامًا من البحث والتنقيب المكثفين، من الممكن القول إن الحفريات تشهد على تاريخ الأرض الذي يتسم بكوارث واسعة النطاق، وانقراض لبعض الأنواع، وتعقد بعضها الأخر واستقراره.
الحلقات المفقودة من السجل الأحفوري:
تُظهر حفريات الأنواع الجديدة التي تم اكتشافها منذ ستينيات القرن التاسع عشر مليارات الأنواع المختلفة، حيث تبدو –بالكاد– جميع الحفريات إما أشكالًا قريبة، أو مطابقةً لأنواع معروفة بالفعل، وإما نماذجَ لفصائلَ فريدةٍ لأجداد مجهولين. ومن اللافت للنظر غياب العديد من الأشكال الوسيطة التي تعوزها نظرية التطور.
حيث تتمايز أنواع اللافقاريات الإحدى عشر الكبار بشكل كامل عن بعضها البعض منذ بداية ظهورها في الأرشيفات الأحفورية؛ وهكذا ظهرت هذه المجموعات الأساسية بلا تاريخ تطوري. حيث تُظهر الحفريات الفروقات الهائلة بين جميع الأنواع، في الماضي والحاضر. وهذه الحقائق تبرر الآراء القاطعة لعدد من علماء التطور الأكثر شهرة:
توماس نيفيل جورج Neville George: “… لا يزال السجل الأحفوري يتكون بشكل أساسي من الثغرات.”
ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould: “… السجل الأحفوري مع تحولاته المفاجئة لا يدعم التغير التدريجي … يعرف جميع علماء الحفريات أن السجل الأحفوري يحتوي على عدد قليل جدًا من الحفريات الانتقالية؛ والانتقال بين المجموعات الرئيسية مفاجئ وحاد على نحو مميز.”
ستيفن إم. ستانلي Steven M. Stanley: “… لا يوثّق السجل الأحفوري المعروف مثالاً واحدًا للتطور الفيلوجيني، الذي يؤدي إلى تحول شكلي كبير، وبالتالي لا يقدم أي دليل على أن النموذج التدريجي قد يكون صالحًا.”
وبعبارة أخرى، لا تعكس الحفريات أبدًا تاريخًا انتقاليًّا متدرّجًا، وإنما تعكس ظهورًا مفاجئًا لمخلوقاتٍ فعَّالةٍ ومكتملةِ التشكيلِ، أو عمليةَ خلقٍ مميزة.
التعقيد:
تُصنف الكائنات الحية اليوم في تسلسلٍ متصاعد من “البساطة” إلى “التعقيد”، ولكننا إذا نظرنا إلى كل مستوى على حدة، فسنلاحظ أن الأنواع “الأولية” ليست بسيطةً، بل على العكس، كائناتٍ بالغةَ التعقيد؛ حيث نجد الكثير من النماذج لكائنات حية معقدة تفوق الخيال في قاعدة العمود الجيولوجي؛ فعلى سبيل المثال/ العين معقدة بشكل لا يصدق في الترايلوبيت trilobites، رغم أنها من أقدم الكائنات على الإطلاق.
ويدل الظهور الشبه متزامن لمجموعات الثدييات الكبرى منذ بداية الحياة على وجود أعضاء معقدة: العيون المركبة، الجهاز الهضمي، الجهاز العظمي، الجهاز العصبي، أعضاء الحس (كالتي توجد في أحفورات الحيويات الإدياكارية وغيرها).
استقرار وثبات الأنواع:
“الحفريات الحية” هي حيوانات أو نباتات حية، أو موجودة اليوم، لكنّها موجودة في نفس الوقت في السجل الأحفوري. فهي كائنات حية ظنَّ العلماء أنها انقرضت، لكنهم وجدوها على قيد الحياة،ويوجد مئات الحفريات الحية في يومنا هذا، أشهرها شَوكيّاتُ الجَوف – التي عُرفت في زمن ما على أنها حفرية، فضلًا عن أنها حفرية انتقالية-، والأسماكُ الرئوية، والترايلوبيت، وسرطانُ حدوة الحصان أو ملكُ السَراطين، والمحار، والنوتيلوس، وحاملات المخالب أو الديدان المخملية، والأسماك المخاطية، و الجَلَكَيات أو مصاصات الحجر وتسمى أيضًا رأسيات الشكل، والقرش الأبيض الكبير، والحفشية، وكثيرات الأرجل، و السمك الفضي أو لاحسات السكر، والصرصور، واليعسوب، و الطـُراطرة، والسمندر الناري، وجميع الزواحف الأخرى تقريبًا…
ومن الممكن أن نذكر من الطيور: الغواصُ شائع، والغطاس المتوج، ورئيسُ البحر أحمرُ المنقار، والشَانِيَة أو الفرقاطات، والوقواق، والنورس… ثم يأتي من بعدها: حيوان الأوبوسم، والمدرعُ الثماني الحزم، والقُنْدُس، والـُخفاشيّات، وخروف البحر… أما النباتات، فغالبًا ما يتم الاحتفاظ بها في حالة حفريات: الرجلُ ذئبيات أو اللكوبوريات، وكنباث الحقول أو ذنب الخيل الحقلي، والسرخس أو الخنشار، وجنكو أو الجِنْكَة، والأروكاريا أو شمسية، والسكويا العِمْلاقَة … ناهيك عن العديد من الحشرات التي لم تتغير داخل حجر العنبر: الصرصور، والبعوض.
الـ “الحفرياتُ الحية” شهودٌ صادقون على استقرار الأنواع على مر الزمان، حيث إن الكائنات الحية ظلت مطابقة لأجدادها طوال الوقت. وهذا يتعارض مع الرواية التطورية التي تَزعُم وجودَ مراحلَ مؤقتةٍ ووسيطةٍ تربط الأميبا بالإنسان.
استعراض ما يسمى بـ سلسلة التطور
إزاء هذه الحقائق – التي من الممكن فحصها والتحقق منها – الدالة على شهادة واضحة لاستقرار وثبات الأنواع، كيف يمكن تفسير المزاعم الحماسية المعاد ترديدها – مرة أخرى – في 2011، بأن الحفريات تُثبت التطور؟! إليكم ما يقوله توزيت:
“تشهد – أيضًا – حفريات وسيطة ومتحولة على تطور الثدييات، ومرحلة الانتقال من الديناصورات إلى الطيور، أو عودة الثدييات المائية للحياة البحرية كما حدث مع الحيتان. وأخيرًا، تشير مجموعة حفريات نسل الإنسانيات (الذين انحدر منهم الإنسان الحديث) إلى تطورٍ نحوَ ثنائية القدم وشكل الجمجمة والفك وحجم الدماغ منذ السلف المشترك لمختلف الرئيسيات الحالية، بما في ذلك الشمبانزي، أقرب ابن عم لنا.”
وقد أخذ عالم الحفريات مارك جودنوت هذه الأمثلة للعمليات التطورية وأضاف عليها. وبالتأكيد هناك “حلقات مفقودة” في السجل الأحفوري للكثير من الأنواع، ولكن فلنفحص – فقط – عدة أمثلة طرحها توزيت وجودنوت.
السلسلة التطورية للخيول:
يبدأ جودنوت بالسلسلة التطورية للخيول، حيث إنها المثال الأكثر وضوحًا ورمزية. حيث وجد أوثنييل تشارلز مارش Othniel Charles Marsh، في سبعينيات القرن التاسع عشر، عظامًا وأسنانًا في ولاية وايومنغ وولاية نبراسكا، وجمعها في ثلاثين سلسلة مختلفة لحفريات خيول. وادَّعى أن هذه السلاسل تشير إلى “التطور” في الخيول. وقد عرض هذه المجموعات في جامعة ييل Yale University، ولاحقًا تم نقل أجزاء منها إلى العديد من المتاحف.
وفي عام 1879، نشر مارش رسمًا تخطيطيًّا في المجلة الأمريكية للعلوم حاول فيه عرض التطور المزعوم لأعضاءٍ وأسنانٍ خلال مراحلَ مختلفةٍ لـ “تطور” الخيول. وقد تناولت المنشورات والكتب هذا الرسم التخطيطي على نطاق واسع، ما أدى إلى انتشاره وبقاءه حتى اليوم.
ويكشف التحليل الدقيق لهذا الرسم التخطيطي التطوري عن الإشكاليات التالية لتطور الخيول:
يوجد عشرون سلسلة أحفورية مختلفة من متحف لآخر.
لا يتواف القفص الصدري للحفريات الوسيطة المختلفة مع السلسلة. حيث إن الهيراكوثيريوم (أو الإيوهيبوس)، الذي من المفترض أن يكون الحيوان الأول في سلالة الخيول، لديه 18 زوجًا من عظام الصدر، والثاني( أوروهيبوس) لديه 15 زوجًا، و (بليوهيبوس) لديه 19 زوجًا، أما الخيل المعاصر الذي يُدعى خيل سكوت (Equus Scotti)، فلديه 18 زوجًا. ونجد نفس الشيء أيضًا في فقرات أسفل الظهر، حيث يتراوح عددها بين 6 إلى 8 فقرات ويعود في النهاية إلى 6 فقرات.
يطلق الخبراء اسم الهيراكوثيريوم على الإيوهيبوس (خيل الصباح أو خيل الفجر) بسبب تشابهه مع حيوان الوبر. وقد رفضت العديد من المتاحف الإيوهيبوس لتطابقه مع حيوان الوبر الذي يعيش حاليًا في أفريقيا. كما تم اكتشاف ابن عم آخر [لـ الإيوهيبوس] لا يزال على قيد الحياة في أمريكا الجنوبية، ألا وهو حيوان الغرير.… باختصار: لم يكن “الخيل” الأول خيلًا بالأحرى.
لا توجد سلاسل حفريات للخيول إلا في المتاحف!. إذ لم يتم العثور على سلسلة واحدة كاملة للحفريات في ترتيب تطوري صحيح على وجه البسيطة. فعندما بحثوا عن “حفريات” في قارة واحدة، وجدوا حفريات بثلاث أصابع وأخرى بأصبع واحد في نفس الطبقة الجيولوجية، ما يعني أن هذه الحفريات معاصرة.
ليس ثمة أحفورة انتقالية تفصل هذه الكائنات. فكما هو الحال مع جميع الحفريات الأخرى، ظهرت كل واحدة بشكل مفاجئ في الحقل الأحفوري وظلت كما هي بلا تغير.
كثيرًا ما تم العثور على الحفريات – التي وجب العثور عليها في طبقات الأرض السفلى ( الأقدم) حسب النظرية التطورية – في الطبقات العليا، بل وحتى على سطح الأرض… وعلى هذا النحو، فقد تم العثور على حفريات لـ الإيوهيبوس في طبقات قريبة جدًا من السطح، بل وأقرب من حفريات الخيول المعاصرة!.
في أمريكا اللاتينية، نجد حفرية الخيل أحادي الإصبع (الخيل المعاصر) في طبقة أسفل الخيل ثلاثي الأصابع (الأقدم)، مما يعنى أن الحفيد يَكبُرُ جَدَّه!!
تم العثور على حفريات لـ “خيول” في مختلف أنحاء العالم: في أوروبا، وأمريكا الجنوبية والشمالية، والهند … وفي بعض المناطق تم اكتشاف “خيول” متحجرة معًا.
نجد اليوم – أيضًا – خيولًا بثلاث أصابع.
تعتمد سلاسل الخيول المعروضة في المتاحف بشكل عام على حجم الحيوانات، حيث يفترض أن يكون التطور من الأصغر إلى الأكبر. إلا أننا ننسى أن حجم الخيول المعاصرة يتسم باختلافات جوهرية. حيث إن نوع كلايدزديل هو أكبرها، وأصغرها فالابيلا، الذي يبلغ من الطول 43 سم. والاثنان يُشكلان جزءًا من نفس النوع، إذ لم يتطور أحدهما من الآخر.
الزيادة في حجم الإيوهيبوس مقارنة بجنس الخيول المعاصر ليست ذات معنى بالنسبة للتطور، ذلك لأنه تحول من حيوان آكل للأوراق إلى حيوان عاشب؛ لذلك: كان من المنطقي وجود تطور في اتجاه آخر، وانطبق نفس الشيء على الزيادة في سرعة العدو، حيث اتضح أن الإيوهيبوس كان يعدو بنفس سرعة الخيول المعاصرة، وعليه: فلا داعيَ للانتقاء الطبيعي لتطوير الحيوانات ذاتِ الثلاث أصابع إلى أحادية الأصابع.
هذه الحقائق أجبرت المختصين المخلصين على الإدلاء بتصريحات تحطم الأيقونات. فإليكم ما قاله عالم الحفريات الأمريكي جورج جايلورد سيمبسون G.G. Simpson: “إن التحول المستمر والمنتظم من الهيراكوثيريوم، إلى جنس الخيول المعاصر لم يحدث في الطبيعة، حتى لو كان هذا عزيزًا على قلوب أجيال من كُتَّاب الكتب المدرسية.”، لا يمكن قول الحقيقة بطريقة أكثر وضوحًا ورسمية من هذه. ويؤكد عالم الأحياء هيريبيرت نيلسون Heribert-Nilsson[13] أن: ” شجرة عائلة الخيول رائعة ومثالية فقط في الكتب المدرسية.” فـ “تطور” الخيول ما هو إلا نتيجة لتفسيرات مضللة للحقائق لا غير. ويوضح والتر بارنهارت Walter Barnhart، في أطروحته العلمية، أن رسومات “تطور” الخيول المختلفة قد رسمها علماء تطوريون مختلفون اعتمدوا على نفس البيانات.”
وبعد هذه الآراء السديدة؛ يجعلك إصرار مارك جودنوت تبتسم إذ يقول: “حفريات أجداد هذه المجموعات بالغة القرب من بعضها البعض، لذلك يجب عليك أن تكون متخصصًا حاذقًا حتى تستطيع وضعها في أماكنها الصحيحة.”… “تكون متخصصًا حاذقًا” هل هذا تعبير لطيف للحديث عن ضرورة ذاتية لإخضاع الحقائق لدلالة الخيال؟!
تطور الحيتان:
تعد الحيتان من الثدييات المائية المنتمية لفصيلة الحيتانيات. وتؤكد نظرية التطور أن الثدييات الأرضية تطورت من الزواحف قبل ما يقرب من 220 مليون سنة مضت، وأن فصيلة الثدييات عادت إلى الماء وتطورت في شكل حيتان قبل ما يقرب من 50 مليون عام. وتزعم النظرية أن هذا ممكنٌ إثباته!
ولكن؛ هل هذا – حقًا – ما حدث؟ أولًا: ما هي الثدييات الأرضية التي تطورت إلى حيتان؟ لا نجد اتفاقًا بين التطوريين على ذلك؛ هل هو حيوان من فصيلة الضبعيات (كما يزعم متحف التاريخ الطبيعي التابع لأكاديمية كاليفورنيا للعلوم)؟ أم حيوان من فصيلة القطط ( كما يدعي معرض متحف التاريخ الطبيعي التابع لجامعة ميشيغان)؟ أم فرس نهر (كما يقول علماء الأحياء اليابانيون)؟. إن هذه الحيوانات المختلفة تشترك في عدة خصائص مع الحيتان (كالأسنان والحمض النووي …).
حيث يقول أستاذ الجيولوجيا ومدير متحف الحفريات التابع لجامعة ميشيغان فيليب جنجريتش Phil Gingerich: “تُعد الأسنان السمة الرئيسية المشتركة بين الضباع ذات الحوافر والحيتان المائية.” في حين اكتشف علماء معهد طوكيو للتكنولوجيا أن الحمض النووي لفرس النهر هو الأقرب للحمض النووي للحيتان مقارنة بفصائل الثدييات الأخريات. لكنّ أفراس النهر حيوانات عاشبة، على النقيض من الحيتان آكلة اللحوم (بما في ذلك الحيتان البالينية)؛ علاوة على ذلك، أكد عالم الحفريات والتشريح في جامعة هوارد داريل دومينغ Daryl Domning “أن أفراس النهر ظهرت في وقت متأخر، في حين ظهرت الحيتان منذ عشرات الملايين من السنين … وفي الحقيقة، من الهراء الربط بينهما إذا ما أُخذَ السجلُ الأحفوري على محمل الجد.”
إن الوسيط الثاني، الذي يعرف بـ الحوت الجوال Ambulocetus natans، لا يشبه – على الإطلاق – الحوتَ لدرجة أن تقول عالمة الحفريات أناليسا بيرتا Annalisa Berta “إنه حوت لأنه مُدْرَجٌ في هذه السلالة”!! ويعتري فيليب جنجريتش نفس الشك قائلًا: “من المستحيل أن يكون [الحوت الجوال] داخل السلالة الرئيسية [لتطور الحيتان].”
أما الوسيط الثالث، رودهوكيتوس Rodhocetus، فله هيكل عظمي في متحف آن آربر. وتقول عنه أناليسا بيرتا أنه كان يستخدم زعنفة ذيله للتحرك في الماء بدلًا من ساقيه الخلفيتين. وعندما سُئل فيليب جنجريتش كيف عرف أن للرودهوكيتوس ذيل حوت ونهاية الحيوان مفقودة في الأحفور المكتشف؟ ، أجاب بشيء من التردد: “لقد خمنت ذلك… لكنني أشك في ذلك الآن… حيث إن رودهوكيتوس لا يمتلك هذا النوع من الحوافر الخلفية التي من الممكن أن تتمدد إلى زعانف.” وفي الحقيقية، لقد تم رسم النموذج التوضيحي للحيوان( يدويًا) !!
وبالنسبة للوسيط الخامس، باسيلوسورس Basilosaurus، فإن خبير تطور الحيتان في متحف التاريخ الطبيعي في لوس أنجلوس لورانس بارنز Lawrence Barnes يشير إلى أنه لا يُشكل جزءًا من سلالة الحيتان الحديثة. بل ويعتقد أنه عاش في نفس وقت الحيوانات الأحدث.
تطور الديناصورات إلى طيور:
يقول جودنوت: “كواحدة من الانتقالات الكبرى، يمكننا أن نستشهد بالديناصورات الصغيرة ذات الريش العائدة للعصر الطباشيري السفلي Lower Cretaceous في الصين، إضافة إلى الطيور التي تعادل بدائية أركيوبتركس أو الطائر الأول Archaeopteryx أو تتخطاها، والتي أكملت بطريقة رائعة عملية الانتقال بين الديناصورات والطيور”. يبدو من غير المعقول ومن العجيب أن يتناول جودنوت مثال أركيوبتركس، “الحلقة المفقودة بجدارة” في التطور المزعوم لانتقال الديناصورات إلى طيور، في حين أنه قد فقد مكانته كحلقة مفقودة وكقصة مرتبطة ارتبطًا وثيقًا بالخداع الفج.
أولًا،:دعونا نوضح بالتفصيل بعض الحجج العلمية الرئيسية مدعومة بالاكتشافات الحديثة، والتي أشار إليها عدد كبير من العلماء، عن أن الأركيوبتركس كان مجرد طائرٍ، ولم يكن شكلًا وسيطًا.
في المقام الأول، يظهر الأركيوبتركس فجأة في السجل الأحفوري، في شكل كامل (تمامًا مثل بقية الفقاريات واللافقاريات)، ودون أي أثر لأي سلف مفترض.
عظام الأركيوبتركس: إن لدى الأركيوبتركس عظامًا منحنية كباقي الطيور، وهو ما يمنحه الثبات والخفة من أجل الطيران، في حين أن لدى الديناصورات عظامًا سميكة وصلبة. ولذلك، فإنه من المستحيل أن تكون الديناصورات تطورت إلى طيور.
أجنحتها متطورة وقادرة على الطيران،وريشها غير متناسق، مطابق لريش الطيور الطائرة، ما يبرهن على الخصوصية وقدرة الأركيوبتركس على الطيران. وقد كتب المتخصص العالمي المشهور ألان فيدوتشيا Alan Feduccia: “إن الريش ملائم بشكل مثالي للطيران”، ذلك لأنه خفيف وقوي وله شكل ديناميكي هوائي ويمتلك بنية معقدة من ريش مختلف الأحجام.
لدى الأركيوبتركس ريش الطيور المعاصرة. وقد تم عرض هذا في دراسة عن ريش الأركيوبتركس قام بها ألان فيدوتشيا ونُشرت في مجلة ساينس Science: “بفضل ريشها، يمكن للأركيوبتركس أن تُصنفَ ضمن الطيور”.
استحالة تحول الحراشف إلى ريش.لكن أغلب التطوريين، أمثال ريتشارد دوكينز يعتقدون أن “ريشَه حراشفُ زواحف معدلة”[20].؛ وهذا تفسير لا يمكنه أن يصمد للأسباب التالية:
تُمثل الحراشف ثنايا في الجلد-شرائحًا قرنية- في حين أن الريش معقد للغاية في تركيبه، إذ هو مُكوًّن من جذع محوري تنبثق منه شُعيرات تحتوي على عقاف تسمح للشعيرات أن ترتبط ببعض، زد على ذلك أن الريش والحراشف تنشآن من طبقتين مختلفتين من الجلد، وتطور الريش يختلف اختلافًا جذريًا عن تطور الحراشف، فمنشأ الريش من بصيلات الجلد (وهي بنية تُرى بالمجهر أو بالعين المجردة على شكل حقيبة) تمامًا كالشعر.
تختلف بروتينات الريش (كرياتين ف) كيميائيًا وحيويًا عن بروتينات الجلد والحراشف (كرياتين أ). يقول أستاذ الفسيولوجي وبيولوجيا الأعصاب في جامعة كونيتيكت أ.هـ. برش H. Brush: “على المستوى المورفولوجي، يعتبر الريش مشابهًا لحراشف الزواحف. إلا أن البنية البروتينية للريش فريدة من نوعها في عالم الفقريات، فنحن لم نكتشف أنسجة جلدية لدى الزواحف من الممكن أن تعطينا نقطة انطلاق لريش الطيور”.
تختلف الحراشف التي تغطى جسد الزواحف تمامًا عن ريش الطيور. فعلى عكس الريش، لا تخترق الحراشف الجلد، بل تمثل – فقط – طبقة صلبة على سطح الجسم. يقول التطوري ألان فيدوتشيا بشكل قاطع: “الريش هو سمة فريدة للطيور. وعلى الرغم من التكهنات حول طبيعة الحراشف الطويلة التي نجدها في بعض الأنواع مثل حيوان الـ Longisquama، – فهي في بنية مشابهه للريش-، إلا أنه لا يوجد دليل واضح على أن هذه حقيقة”.
للريش هيئة شجرية معقدة (تشابك منظم لشُعيرات متعددة)، ولا علاقة لها بشرائح الحراشف.
استحالة تطور الشعر إلى ريش. فقد ذهب التطوريون في النهاية إلى تغيير حجتهم قائلين بأن الريش لم يأتِ من حراشف بل من شعر. ولكن… من أين يأتي الشعر إذًا؟ وكيف لبنية معقدة كالريش أن تنبثق من بنية بسيطة كالشعر؟! علينا ألا ننسى خفة الريش وشكله المثالي وألوانه وأطواله المتباينة حسب الدور الذي يقوم به، وثبات درجة صلابته، وتوجهه المثالي المتسق.. وهلم جرًا.
أجهزة التنفس المختلفة: لدى الطيور رئة تمكن انتقالَ الأكسجين عبر قنوات، بينما في الزواحف، ينتقل الأكسجين عبر حويصلات هوائية. إذًا، من أوجد الحل لمثل هذا التطور؟ مع الأسف، يتم التغاضي غالبًا عن هذا النوع من الإشكاليات.
يمكن للقارئ الكريم الاستزادة حول هذه القضية من خلال مطالعة المقالات التالية:
إبداع خلايا العين العصبية يهدم خرافة التطور!
أنصار التطور الدارويني.. العلم بلا خطة ولا هدف!!
اختفاء المراحل الانتقالية.. علم الحفريات ينسف التطور!
تعارض نظرية دارون مع الكشوف العلمية الحديثة (1/2)
تعارض نظرية دارون مع الكشوف العلمية الحديثة (2/2)
المصدر: بتصرف يسير عن موقع أثارة