قال تعالى:”وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَسْطُور. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ. وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ” (الطور:1-6).
في اللغة: (البحر المسجور) أي: الذي أوقدت عليه حتى أحميته، والعقل العربي وقت تنزَّل القرآن ولقرون طويلة من بعد ذلك لم يستطع أن يستوعب هذه الحقيقة، كيف يكون البحر مسجوراً والماء والحرارة من الأضداد؟!
حتى اكتُشف حديثاً أن الأرض التي نحيا عليها لها غلاف صخري خارجي، هذا الغلاف ممزق بشبكة هائلة من الصدوع تمتد لمئات من الكيلومترات طولاً وعرضاً – بعمق يتراوح ما بين 65 إلى 150 كيلوا متراً– ومن الغريب أن هذه الصدوع مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً يجعلها كأنها صدع واحد ويقسم الله سبحانه وتعالى في آية أخرى “وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ” (الطارق:12).
وفي هذه الآية إعجاز واضح: فالله يقسم بصدع واحد الذي هو عبارة عن اتصال مجموع الصدوع، والذي يشبهه العلماء باللحام على كرة التنس.
اندفاع الصهارة الصخرية
وقد جعلت هذه الصدوع في قيعان المحيطات وهذه الصدوع تندفع منها الصهارة الصخرية ذات الدرجات العالية التي تسجر البحر فلا ماء على كثرته يستطيع أن يطفئ جذوة هذه الحرارة الملتهبة ولا هذه الصهارة على ارتفاع درجة حرارتها -أكثر من ألف درجة مئوية- قادرة على تبخير هذا الماء، وهذه الظاهرة من أكثر ظواهر الأرض إبهاراً للعلماء.
وقد قام العالمان الروسيان ” أناتول سجابفتيش”عالم جيولوجيا و”يوري بجدانوف” عالم أحياء وجيولوجيا بالاشتراك مع العالم الأمريكي المعروف “رونا كلنت” بالغوص قرب أحد أهم الصدوع في العالم، فقد غاصوا جميعاً وهم على متن الغواصة الحديثة “ميرا” ووصلوا إلى نقطة الهدف على بعد 1750 كلم من شاطئ ميامي، وغاصوا على بعد ميلين من السطح حيث وصلوا إلى الحمم المائية التي لم يكن يفصلهم عنها سوى كوة من “الأكرليك” وكانت الحرارة 231م، وذلك في وادٍ على حافة جرف صخري، وكانت تتفجر من تحتهم الينابيع الملتهبة حيث توجد الشروخ الأرضية في قاع المحيط، وقد لاحظوا أن المياه العلوية السطحية الباردة تندفع نحو الأسفل بعمق ميل واحد فتقترب من الحمم البركانية الملتهبة والمنصهرة فتسخن ثم تندفع محملة بالمعادن الملتهبة، ولقد تأكد العلماء أن هذه الظاهرة في كل البحار والمحيطات تكثر في مكان وتقل في مكان آخر. وأن البراكين في قيعان المحيطات أكثر عدداً، وأعنف نشاطاً من البراكين على سطح اليابسة، وهي تمتد على طول قيعان المحيطات.
والمبهر في هذه الصياغة المعجزة (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أنه نظراً لعدم وجود الأوكسجين في قاع البحر لا يمكن للحمم البركانية المندفعة عبر صدوع قاع المحيط أن تكون مشبعة على طول خط الصدع، ولكنها عادة ما تكون داكنة السواد، شديدة الحرارة، ودون اشتعال مباشر، تشبه صاجة قاع أفران الخبز إذا أحمي أسفل منها بأي وقود فإنها تسخن سخونة عالية تمكن من خبز العجين عليها، وهذا القصد اللغوي تماماً للفظ المسجور ولا يوجد كلمة من الممكن أن تحل محلها وتدل على المعنى بدقة. فتأمل عظمة هذا الإبداع الرباني.
_______________________________
المصدر: كتاب آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1، 2008، ص: 91 بتصرف.