عندما فرض الإسلام الزكاة لم يكن غرضه القضاء على الأغنياء وإنما القضاء على الفقر، وهذا هو الفرق بين التطبيق الإنساني والتطبيق المادي –الشيوعي-، فالإسلام لم يأت موافقا لتركيبة الجسد أو لتركيبة الروح بقدر ما أتى موافقا لتركيبة الإنسان؛ لأن الإنسان هو المكلف لا الروح وحدها ولا الجسد وحده…
(مقتطف من المقال)
د. هيثم طلعت
في تصنيف هيجل للأديان اعتبر الإسلام استمرارا لليهودية. وقالت مرسيا إليادي: إن محمدا يقف على حافة سيادة المسيحية وبداية العصر العلماني الحديث.. بمعنى أنه يقف في النقطة البؤرية للتوازن التاريخي.
والقراءة المتأنية للأديان تُشعر بأن هناك اتفاقا مسبقا تم في مكان ما بين موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي محمد يأتي على مفترق طريق التحول من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل التحول الروحي للجنس البشري، وهذا ما قالته (مرسيا إليادي) في كتابها (أنماط الأديان المقارنة).. تعاني التوراة التي بين أيدينا من واقعية مفرطة، ويعاني الإنجيل الذي بين أيدينا من روحانية مفرطة –وربما كان الإفراط من وضع الوضَّاعين-، لكن أصر القرآن أن يطرح واقعية روحانية مدهشة، فبالإسلام جوانب قد لا تروق للشعراء والرومانسيين؛ فالقرآن كتاب واقعي لا مكان فيه لأبطال الملاحم.
والمسيحية بها مفهوم مفعم بالحيوية عن الألوهية لكن لم تبلغ الوعي التام بوحدانية الله، وبسبب هذه الخاصية في فهم الألوهية ضحت المسيحية بتوحيد التوراة في سبيل ثالوث المجامع، ومثل هذا التحور غير ممكن في الإسلام فبرغم كل النكبات التي مر بها الإسلام ظل أنقى أديان التوحيد على حد قول (جوستاف لوبون)، واشتمال القرآن على واقعية التوراة، وعدم حاجته لمصدر مادي من خارجه جعله يقف سدا منيعا أمام الشيوعية المادية القادمة من روسيا وشرق أوروبا.
وبنزول محمد من غار حراء إلى ضواحي مكة استطاع أن يجمع بين التنسك والعقل، الروحانية والمادية، العين بالعين، “… وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ…“(البقرة:237)، “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا…“(البقرة:190)، هذه الثنائية الدرامية المثيرة التي تؤهل هذا الدين لأن يقود جموع البشر وترويض مختلف الأفكار.
عندما فرض الإسلام الزكاة لم يكن غرضه القضاء على الأغنياء وإنما القضاء على الفقر، وهذا هو الفرق بين التطبيق الإنساني والتطبيق المادي –الشيوعي-، فالإسلام لم يأت موافقا لتركيبة الجسد أو لتركيبة الروح بقدر ما أتى موافقا لتركيبة الإنسان؛ لأن الإنسان هو المكلف لا الروح وحدها ولا الجسد وحده.
لا يُحرم الإسلام على الإنسان أن يتذوق ملح الأرض، ولا يفرض عليه مثالية الزهد والرهبنة، ولا يوافق لأحد من أتباعه أن يغمض عقله ويسير في قطيع الخراف بحثا عن راعٍ صالح يقودهم إلى الحظيرة، بل يجبر الإسلام أتباعه على التفكر وتدبر آيات الكون، بل ويضع فرضيات عقلية مدهشة، فيقول تعالى: “قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا…“(الزخرف:81) إنه يطرح افتراضا ينقض الأصول التي قام عليها، وبينما يمقت الإسلام الشك الغبي نراه يحفز على البحث والتمحيص والتروي والإيمان بالاستدلال.
____________________________________
المصدر: موسوعة الرد على الملحدين العرب