الإنسان في العقلية الإلحادية.. سوبر مان!

مع إسقاط الحدود وإسقاط القيمة المعرفية والأخلاقية والحلال والحرام والقداسة والدناسة والمركزية والسمو الإنساني يظهر مع الوقت السوبر مان الذي تنبأ به نيتشه، ذلك الإنسان السوبر الذي نشأ من خلال منظومة الصراع الدارويني الذي لا يكترث بالمنظومات التي توجد خارجه، ولا يكترث بالمطلقات، والهدف من وجوده هو تعظيم اللذة…

د. هيثم طلعت

الإلحاد

أجاب الدكتور عبد الوهاب المسيري عن هذا سؤال: هل الإلحاد مصدر العبثية في العالم؟ في مجلد كامل وهو المجلد الأول من موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية.

أجاب الدكتور عبد الوهاب المسيري عن هذا سؤال: هل الإلحاد مصدر العبثية في العالم؟ في مجلد كامل وهو المجلد الأول من موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية، فيقول ما معناه أنه في الفلسفة الإلحادية المادية المُجردة يتم عودة كل شيء إلى عالم المادة حيث الاختزالية والتفكيكية العدمية العبثية في أقبح أشكالها.

 حيث يغيب المُطلق والغائي والقيمة حتى كلمة الإنسانية المشتركة التي تغنى بها الملاحدة هي كلمة ملوثة ميتافيزيقيا، فكلمة الإنسانية المشتركة هي شكل من أشكال المُطلق؛ فالإنسان مادة وحسب، حدود المادة هي حدوده، ولذا فهو نمط مادي ذو ثلاثة أبعاد –حيوان اجتماعي- يمكن تدجينه وقولبته.

 فمع إسقاط الحدود وإسقاط القيمة المعرفية والأخلاقية والحلال والحرام والقداسة والدناسة والمركزية والسمو الإنساني يظهر مع الوقت السوبر مان الذي تنبأ به نيتشه، ذلك الإنسان السوبر الذي نشأ من خلال منظومة الصراع الدارويني الذي لا يكترث بالمنظومات التي توجد خارجه، ولا يكترث بالمطلقات، والهدف من وجوده هو تعظيم اللذة –لذته هو-، والمصلحة –مصلحته هو-، والأرض مادة مستهلكة، وغايته هي تحقيق أقصى إشباع ممكن منها، فالسوبر مان هو شخصٌ ملحد مادي، شخصيةٌ امبريالية توسعيةٌ كاملةٌ يحول العالم لمصلحته.

مات الإنسان وظهر اللاإنسان!

إن قيام النازية بإبادة الملايين من الغجر والسلاف واليهود والأطفال المعوقين والمسنين ممن صنفوا باعتبارهم “أفواها مستهلكة غير منتجة” إنما هو أحد إنجازات المادة الملحدة الصرفة التي “حررت” النازية من أية أعباء أخلاقية مثالية –غير مادية-، وتعاملت مع البشر بكفاءة بالغة وبمادية صارمة كما لو أنهم مادة استعمالية نسبية تخضع لقوانين الطبيعة –المادة- فمن يحيد عنها.

فالعقل المادي في هذه الحالة قام بتفكيك البشر بصرامة بالغة، ونظر للجميع بعيون زجاجية، وكأنه كمبيوتر متأله يبلغ الغاية في الذكاء لا قلب له ولا روح، يُحيي ويُميت.

ولم تُنتج المنظومة الإلحادية أية قيمة معرفية يمكن الإحالة إليها، أو التعويل والإشادة بها، وستالين الذي قام بتفكيك البشر في إطار علاقات الإنتاج ومعدلات النمو فأباد عشرات الملايين وأمر بالمجاعات في أوكرانيا حتى تخضع – مما تسبب في موت 4 مليون أوكراني-، وقبله لينين الذي أباد رسميا ملايين الفلاحين في مذبحة الكولاج، حيث كانوا يعوقون عملية الإنتاج المادية، إن هذا التصور الإلحادي للعالم قد بلغ مستويات تجريدية عالية جدا، تصل إلى عالم الذرات والأرقام مما أدى إلى اختفاء جوهر الإنسان، فمات الإنسان وظهر اللاإنسان.

لذا فلسنا مجافين للحقيقة حين نقول: إن الإلحاد هو دين الشيطان.. تم التأسيس له كمنطق عقلي. ولا يوجد مذهب على وجه الأرض يقول لك: افعل كل الفواحش فأنت في حِل من كل شيء، ومن أي لومٍ أخلاقيّ.

___________________________________

المصدر: د. هيثم طلعت، موسوعة الرد على الملحدين العرب، مركز براهين لدراسة الإلحاد، الطبعة الأولى، 2014.

مواضيع ذات صلة