السؤال: هل الإسلام مسؤول عن تخلف المسلمين؟ وهل يرفض الاسلام حرية الاعتقاد؟
الجواب: حقائق التاريخ تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام قد استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوره أن يقيم حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرا في التاريخ. ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزير في شتى مجالات العلوم والفنون، وتضم مكتبات العالم آلافا مؤلفة من المخطوطات العربية الإسلامية تبرهن على مدى ما وصل إليه المسلمون من حضارة عريقة. يضاف إلى ذلك الآثار الإسلامية المنتشرة في كل العالم الإسلامي والتي تشهد على عظمة ما وصلت إليه الفنون الإسلامية.
وحضارة المسلمين في الأندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا هذا شاهد على ذلك في أوروبا نفسها. وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر لعلوم المسلمين.
* يشتمل القرآن الكريم على تقدير كبير للعلم والعلماء وحث على النظر في الكون ودراسته وعمارة الأرض. والآيات الخمس الأولى التي نزلت من الوحي الالهي تنبه الى أهمية العلم والقراءة والتأمل. وهذا أمر كانت له دلالة مهمة انتبه إليها المسلمون منذ البداية. وهكذا فإن انفتاح الإسلام على التطور الحضاري بمفهومه الشامل للناحيتين المادية والمعنوية لا يحتاج الى دليل.
* أما تخلف المسلمين اليوم فإن الإسلام لا يتحمل وزره، لأن الإسلام ضد كل أشكال التخلف. وعندما تخلف المسلمون عن إدراك المعاني الحقيقية للإسلام تخلفوا في ميدان الحياة. ويعبر مالك بن بني المفكر الجزائري الراحل عن ذلك تعبيرا صادقا حين يقول: «ان التخلف الذي يعاني منه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام، وإنما هو عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين». فليست هناك صلة بين الإسلام وتخلف المسلمين.
* لا يزال الإسلام وسيظل منفتحا على كل تطور حضاري يشتمل على خير الإنسان. وعندما يفتش المسلمون عن الأسباب الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا الإسلام من بين هذه الأسباب، فهناك أسباب خارجية ترجع في جانب كبير منها إلى مخلفات عهود الاستعمار التي أعاقت البلاد الإسلامية عن الحركة الإيجابية، وهذا بدوره بالإضافة الى بعض الأسباب الداخلية أدى أيضا إلى نسيان المسلمين للعناصر الايجابية الدافعة لحركة الحياة في الإسلام.
* لا يجوز الخلط بين الإسلام والواقع المتدني للعالم الإسلامي المعاصر. فالتخلف الذي يعاني منه المسلمون يُعد مرحلة في تاريخهم، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنهم سيظلون كذلك إلى نهاية التاريخ. ولا يجوز اتهام الإسلام بأنه وراء هذا التخلف، كما لا يجوز اتهام المسيحية بأنها وراء تخلف دول أمريكا اللاتينية.
إن الأمانة العلمية تقتضي أن يكون الحكم على موقف الإسلام من الحضارة مبنيّا على دراسة موضوعية منصفة لأصول الإسلام وليس على أساس إشاعات واتهامات وأحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة.
* أما بالنسبة لحرية الاعتقاد فقد كفل الإسلام للإنسان حرية الاعتقاد. وجاء ذلك في وضوح تام في القرآن الكريم: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…” (البقرة:256) فلا يجوز إرغام أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر. فحرية الإنسان في اختيار دينه هي أساس الاعتقاد. ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيدا لا يقبل التأويل في قوله: “… فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ…” (الكهف:29). وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية في أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين أمة واحدة.
ومن منطلق الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان “على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم، لا يضار أحد منهم ولا يرغم بسبب دينه”.
* لقد كفل الإسلام أيضا حرية المناقشات الدينية على أساس موضوعي بعيداً عن المهاترات أو السخرية من الآخرين. وفي ذلك يقول القرآن: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…” (النحل: 125) وعلى أساس من هذه المبادئ السمحة ينبغي أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين، وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال: “قلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (آل عمران: 64)، ومعنى هذا أن الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذي يقتنع به. وهذا ما عبرت عنه أيضا الآية الأخيرة من سورة (الكافرون) التي ختمت بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
* الاقتناع هو أساس الاعتقاد؛ فالعقيدة الحقيقية هي التي تقوم على الإقناع واليقين، وليس على مجرد التقليد أو الإرغام. وكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الأفكار ما يريد، حتى ولو كان ما يعتقده أفكارا إلحادية. فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ولا يؤذي بها أحدا من الناس. أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الناس، وتتعارض مع قيمهم التي يدينون لها بالولاء، فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة والشكوك في نفوس الناس. وأي انسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم يتعرض للعقاب، وقد يصل الأمر في ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التي تعاقب عليها معظم الدول بالقتل. فعقوبة المرتد في الشريعة الاسلامية ليس لأنه ارتد فقط ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية. أما اذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور.
_______________________________________
المصدر: جريدة النهار الكويتية، العدد 386
http://www.annaharkw.com/ANNAHAR/ArticlePrint.aspx?id=96866