السنة هي المصدر الثاني للتشريع و لا غنى للمسلمين عنها لفهم كتاب ربهم.. فهي الحكم في فهم نصوصه و تبيين مجمله و تحديد ناسخه من منسوخه و التأويل.. أي التطبيق العملي لأوامره…
(مقتطف من المقال)
فهد مولاطو
بين أيديكم بحث مختصر يعنى بإظهار بعض الحقائق و تجلية بعض الخفايا التي ينبغي أن يعلمها و يتسلح بها كل مسلم في وقت باتت فيه الشبهات تعرض صباح مساء، تلتقطها الأسماع و تتشربها القلوب.
سأتطرق في هذا البحث إلى سرد تاريخ مختصر لمراحل جمع السنة و تدوينها، بحثا يتخلله مواقف و نقول تبين مدى اعتناء علماء المسلمين بها عبر العصور. سيأخذنا هذا المبحث إلى سبر و تحرير طرق علماء الحديث لحفظ السنة و خدمتها ضبطا و رواية و تدوينا و تأليفا لعل هذا يوفي بعض حقهم علينا.
فقد رأينا من يزعم نصرة الدين فيطعن في السنة أو يشكك فيها أو يدعو لمراجعة نصوصها أو يتهجم جهلا على بعض جهابذتها وفرسانها المغاوير، مراجعة لا ترتكز على منهج علمي مؤصل و لا على قواعد عقلية مستقيمة و إنما هو الهوى و الجهل و حب الظهور، و من أراد التوسع فعليه بدراسة الشيخ حاكم المطيري حول تاريخ تدوين السنة التي استفدت منها كثيرا في بحثي هذا و بكتاب دراسات في الحديث النبوي للشيخ مصطفى الأعظمي.
السنة هي المصدر الثاني للتشريع و لا غنى للمسلمين عنها لفهم كتاب ربهم.. فهي الحكم في فهم نصوصه و تبيين مجمله و تحديد ناسخه من منسوخه و التأويل.. أي التطبيق العملي لأوامره، قال تعالى “بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” (النحل:44)، و قد تطابق المسلمون من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يوم الناس هذا على تحكيمها و العمل بها في أمور دينهم أمرا و نهيا و إباحة، قولية و فعلية و إقرارية، عملا بأمر ربهم الذي أمر بالرجوع إليها و بتحكيمها عند الاختلاف حيث يقول: “… فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا” (النساء:59)، و قال: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (النساء:65)، و قال: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا” (النساء:61).
فتدبر لو لم يكن في السنة الغناء والحجة، هل كان الله يأمر بالتحاكم و بالرجوع إليها عند التنازع، ثم انظر لو لم تكن فيها الكفاية، هل كان الله يكل إليها مهمة تفصيل أحكام أهم عبادتين عمليتين الصلاة و الزكاة، فضلا عن غيرها حيث لم يتعرض القرآن لتفاصيلها؟ وعليه فمن آمن بقدسية القرآن وجب عليه الإيمان بالسنة.
و ما زالت كل فرقة من فرق الإسلام مهما اختلفت مشاربها تفخر و تعتز بالإنتساب لها و الإنتماء إلى أهلها و ترى الذم و العيب على من خرج عليها.
أهمية السنة وعِظم شأنها
و لخطير أمرها و كبير شأنها فقد رأينا الصحابة يبذلون الجهد لحفظها و الإعتناء بها، فها هو جابر بن عبد الله يسافر من المدينة إلى الشام طلبا لحديث واحد، و ها هم الخلفاء و القضاة و المفتون ينتهون عند أحكامها؛ فقد كان الخلفاء إن أعيتهم واقعة من الوقائع سألوا الصحابة هل لهم فيها من سنة فإن وجدت انتهوا إليها، بل كان أحدهم يرجع عن فتواه إن علم أن في المسألة حديثا يخالفها.
و قبل أن نبدأ البحث، تجدر الإشارة إلى الفرق اللغوي بين لفظ الكتابة و بين مصطلحات كالتدوين و التأليف و التصنيف، فالكتابة تدل على مجرد الرقم و الخط بينما المصطلحات الأخرى تدل على معاني زائدة كالجمع و التبويب و الترتيب على اختلاف بينها، فينبغي التفطن لهذه الفروق حينما نقرأ قول بعض المحققين كابن حجر : ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار و تبويب الأخبار…، أو قول غيره: أول من دون العلم و كتبه ابن شهاب أي الزهري (من 50 إلى 123)، فالكتابة كما سيأتي ابتدأت في عهده عليه الصلاة والسلام و أما التصنيف و التدوين فتأخر كما نقل.
فلنشرع في صلب الموضوع وليكن ذلك بتقسيم مراحل جمع السنة إلى فترات زمنية تميزت كل منها بخصائص سنحاول إبرازها و تسليط الضوء عليها… يتبع
المصدر: الموقع الإلكتروني لمركز يقين