كانت رحلة شاقة متعبة مرهقة لم أشعر فيها بالراحة.. جاهدت نفسي عامين مناصراً لفكري الإلحادي بعدها انتقلت لللادينية؛ أي مؤمن بالإله كافر بالأديان..
مرحباً.. هكذا بدأت بعد صراع طويل مع نفسي أتوصل للحقيقة، فمن بعد ما كنت مؤمناً ظنياً وراثياً متمسكاً بما أنا مؤمن به كما لو كان الإيمان فرداً من عائلتي، انتقلت إلى الإلحاد المادي ثم اللادينية، ثم عدت إلى الإيمان اليقيني الحقيقي.
رحلة مع الإلحاد
كنت مثل كل يوم أتصفح الإنترنت وكنت بالتاسعة عشرة من عمري أبحث عن المنتديات، وبينما أنا أتصفح وجدت نفسي بمنتدى فكري يمتلئ بالملحدين وبينما أنا أتصفح منتداهم شدَّني موضوع..
وكانوا فيه يستهزئون بالمسلمين ويضحكون، فأخذتني غيرتي على الإسلام فقلت لهم: أنتم كفار ليس لديكم عقل، قالوا: اذهب أنت مغسول الدماغ منذ الصغر خدعك محمد كما خدع غيرك، وكل المؤمنين لا يعرفون حقيقة الإسلام فغضبت وخرجت من الموضوع ولم أرَ أو أقتبس ما كتبوه بعدي، فدخلت على الدردشة بموقعهم أحاول نصحهم فوجدت شباباً كثيرين من ديرتي بينهم فتاة فقلت لها أنتِ مِن ___؟ قالت نعم قلت لها لماذا أنتِ هنا وكم عمرك؟ قالت أنا عمري 18 عاما وملحدة.
فقلت: ستذهبين إلى النار.. اتقي الله بنفسك
ضحكت وقالت: الإسلام مليء بالخرافات.. فهل تعلم أن نبيك قام بقتل عجوز تدعى (أم قرفة)[1] لأنها قالت لا تؤمنوا بمحمد جعلها بين جملين وقتلها، قلت لها: هذا بالتأكيد ملفق وكذب قالت هذا بالتاريخ الإسلامي اذهب وابحث بدلاً من أن تنصحونا وأنتم لا تعلمون شيئاً عن دينكم، واذهب وانظر ماذا يقول الإسلام عن الشمس فإنها تغرب في عين حمئة فاحمر وجهي وتصببت عرقاً ناظراً للشاشة متعجباً ماذا سأقول.
هل فعلاً هذا موجود بالإسلام؟! قلت لها سأذهب إلى النوم وأغلقت الإنترنت ولم أرَ طعم النوم ولم أذهب إلى المدرسة وأنا في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية.. ظللت ساهراً أفكر: هل يعقل أن محمداً خدعنا؟ هل كلامهم صحيح؟ لا يوجد رب والإسلام دين خرافات!.
خبأت هذا بقلبي وتغيرت حياتي وأصبحت منعزلاً كثيراً، فحتى أهلي لا أجلس وإياهم، كان هذا هو المفتاح الذي فتح علي باباً جديداً في اليوم التالي.
دخلت على نفس المنتدى لأتصفح أفكارهم الإلحادية، فتحدثت مع ملحد فقال: لا بأس هذه هي الحقيقة المُرة ويجب أن تتقبلها؛ أي لا وجود لإله وأن الكون وُجد بالصدفة، ونصحني أن أقرأ كتباً أو أزور الروابط في اليوتيوب التي سيعطيني إياها ففضلت المشاهدة فأعطاني روابط لريتشارد دوكنز العالم الملحد المشهور، فتطرق عن الحياة وأصلها وتطورنا وأيضاً أعطاني كتباً وقرأتها وتأثرت بها.
ولكن مع الأيام بدأت أسأل نفسي أسئلة: هل من الممكن أن تصنع الصدفة حياة؟ وهل ممكن أن تضع الصدفة قوانين؟ ولماذا لا نرى تصادماً بالكواكب؟ ولماذا لا تنحرف الأرض عن مسارها؟ إن كنا تطورنا فلماذا لا توجد مراحل انتقالية تبين ذلك؟ لماذا نحن نتفكر والحيوانات تعيش بدون تفكير أو تطوير لمجتمعاتها؟
أسئلة كثيرة سألتها للملحدين ولم ألقَ لها جواباً سوى الهجوم على فكرة وجود الله فيردون السؤال بالسؤال!!
فمثلاً حين أسأل لماذا نحن نتفكر دون غيرنا؟ يقولون إن كنت تقصد أن الله موجود فلماذا هناك مشوهون و معوقون؟
فعرفت أن الإلحاد لا يعطي أجوبة بل يعطي المزيد من الأسئلة!
وحتى علماؤهم والمثال على ذلك العالم الذي أعجبت به في البداية ريتشارد يناقض نفسه أحياناً يدعي معرفة وهو يجهلها..
ثم تابعت العديد من الفيديوهات التي ساعدتني كثيراً على فهم نظرية التطور ونقدها بعد أن نظرت إلى الكثير من المقاطع التي للأسف لم تكن سوى فرضيات دون نقد علمي صحيح.
تأمل وتفكر قليلاً صديقي الملحد
- إن أثبتنا أن التطور باطل فالخلق حق وإن كان الخلق حقّاً فلا بد من خالق!! فليس هناك إلا تفسيران للحياة.. إما تطورنا عن طريق الصدفة، وإما أن هناك خالقا وضعنا في هذه الحياة!
- قررت أن أبحث عن الحق بدلاً من أن أسأل مجرد أسئلة.. فأول شيء فعلته! تخليت عن الإلحاد وبدأت برحلة انتقالية جديدة بين الإلحاد واللادينية،،،
هل الإله موجود؟
لنرَ ذلك..
- إذا القوانين والنظم لا تختل ومتوازنة فإذاً هناك من وفر الحياة الملائمة لنا.
- لا يمكن أن يكون الانفجار العظيم عشوائياً فكل دلائله تؤكد على أن هناك قوة عاقلة قامت بذلك وهذا ما قاله كبار علماء الفلسفة.
- لماذا نحب عمل الخير ومن وضع بنا هذه الفطرة، ولماذا ترتاح حين تفعل ذلك حتى لو لم تكن تؤمن بالله!
- كيف نشأت العواطف الجميلة.. بحزنك بسعادتك ببكائك بفرحك وتعطي معنى جميلاً للحياة ومشاعر تعبر من خلالها عن ما في قلبك وتقوله بلسانك.. ما هذا إلا من إله حكيم رحيم بعباده.
وهناك الكثير من الأدلة التي تثبت وجود الخالق كدقة الخلية الحية.. إيماني بالإله كان خطوة كبيرة فتخلصت من الإلحاد المادي ودخلت باللادينية.
فقلت الأنبياء ليسوا سوى مرشدين يبحثون عن مصالح، أو كذابين ولكنهم بالفطرة مؤمنون بالإله ولكن مع هذا هناك أسئلة كنت لا أستطيع الإجابة عنها إن كان كذلك فهل يتركنا الإله هكذا.
فكان ردي على من يسألني هذا السؤال أن الفطرة كفيلة بنا، وأنا أعرف أني قد أكون مخطئاً، احتجت للتفكير أكثر..
إن كان الله موجوداً أفليس من العدل أن يرسل من يوضح لنا سبب وجودنا أليس من العدل أن نعلم؟ لماذا نحن هنا؟
لحظة.. وكيف أعلم أن هذا الرجل صادق وكيف أعرف أنه كاذب!!
أثناء إلحادي كنت مؤمناً بأن محمداً لم يكن كذاباً بل مريضاً نفسياً وحاشاه ولكنها مجرد اعتقادات من جهل الإنسان.. هذا الادعاء سقط وفتح لي الباب من جديد..
- لو كان مريضاً نفسياً وحاش لرسول الله ذلك.. ألن نشاهد تخبطات بالقرآن وتناقضاً بأقواله؟
- هل يستطيع تأليف كتاب!
- هل يتبعه الناس ويستطيع التأثير فيهم؟!
- هل ينصح بالخير وينهى عن الشر!
- لماذا ليست لديه أفكار معقدة أو مشفرة!
- هل يأتي بقوانين ويثبتها ولا يغير فيها شيئاً!
لماذا إن كان مريضاً منذ الصغر كما يقولون لم يدعِ هذا الشيء حين كان شاباً لماذا انتظر العمر كله؟!.
النتيجة: لست مقتنعاً بأنه كان يعاني من أمراض نفسية كما قيل، وبدأت الاتهامات تتلاشى وقررت أن أستمع للقرآن.
ونظرت عيني على شريط القرآن وكانت سورة الزمر، أحسست بشعور قوي لم أشعره من قبل فسابقاً حين كنت أفتح القرآن كنت أبحث عن الأخطاء واضعاً الشبهات لأجادل، أما في هذه المرة وبلحظة صدق مع نفسي فقد استمعت بقلب صافٍ ونظيف إلى كلام الله.. فلا أعلم ماذا حصل لي سوى دموع تتساقط من عيني مع كل آية فكيف بالنبي الأمي أن يأتي بسورة مثل هذه؟!!
رسائلي لكل ملحد..
أخي الملحد واللاديني قبل أن تكره هذا الإنسان الذي ضحى لأجل وصول رسالة الله للبشرية.. كل ما أطلبه منك أن تصفي قلبك وألا تحقد بناءً على أكاذيب وقصص موضوعة، فلا تنس أن اليهود وغيرهم كانوا يؤلفون القصص وينسبونها للنبي عليه الصلاة والسلام.
لا تستخدم النقد الساخر الذي يدعوك إليه الملاحدة.. فوالله هذا الأسلوب ليس سوى هروب من الحقيقة، الأسلوب الحقيقي هو النقد العلمي البناء، أما الأسلوب الساخر ليس مع الإسلام فقط بل مع جميع الأديان فلن يأتي بأي نتيجة كانت سوى الكراهية والحقد في قلبك.
أدعوك الآن يا صديقي أن تفكر كما فكرت أنا فلعل الله أن يهديك وتذكر أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وحين تتوصل إلى الله فلا تقل لماذا خلق وفعل ولكن قل وسعت حكمته كل شيء.. ولله المثل الأعلى.
استمع بقلب صادق باحث عن الحق والنور..
هداكم الله أصدقائي الملحدين واللادينيين كما هداني فإن للهداية طعماً لم يُذِقه الله إلا للذين صدقوا “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا” (العنكبوت:69).
“إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” (الزمر: 7).
والله إن السعادة التي شعرت بها لم أسعدها من قبل، واليقين الذي أنا فيه لم أتوصل إليه من قبل.. إنه يقين الإيمان.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأشكر جميع من تعاون معي في منتدى التوحيد وصبر عليّ في الشبهات.
الهامش:
[1] – القصة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم.. والصحيح أن قاتل تلك المرأة لم يكن رسول الله وإنما قتلها زيد بن حارثة، ولم يكن قتلها بالطريقة التي ذُكرت، وقصتها هي كما رُوي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كانت أم قرفة قد جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فقتلهم وقتل أم قرفة وأرسل بدرعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أما كيفية قتلها فغير معلومة، وما ذُكر من كيفية لم تنقله مصادر صحيحة معترف بها، بالإضافة لنهي النبي الصريح والمعروف عن قتل النساء –إن لم تكن محاربة- أو التمثيل بالقتلى: إضافة المحررة
_____________________________________
المصدر: بتصرف كبير عن كتاب/ العائدون إلى الفطرة، مركز دلائل، الطبعة الأولى، 2016