الواقع أن أصحاب هذه الصيحات انطلقوا من أرضية الواقع المهين الذين تعيشه المرأة المسلمة في كثير من البلاد الإسلامية التي أغفلت تعاليم الدين وتجاهلت ما جاء به في ما يخص المرأة، وبذا فقد كانت (قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية مثلاً بارزاً يجسد موقفي الغلو والتقصير، أو الأفراط والتفريط).
(مقتطف من المقال)
إعداد/ فريق التحرير
تُثار في أذهان بعض النساء عواصف من التساؤلات المشروعة: كيف نُعامَل بجفاء، وتُوجه لنا الصفعات من بيئاتنا المختلفة.. ونحن نملك شريعة تحمل للمرأة رفعة وتقديرا ومكانة راقية؟؟؟.. هل حقا ما تردده بعض النساء الحاملات لرايات الدفاع عن المرأة من أن الأزمة تكمن في الدين ذاته.. أم أن الدين بريء.. وأن الأزمة تنبع من الفهم والتطبيق، وإلباس بعض الموروثات الشعبية والعادات الخاطئة لباس الدين.. فيُساء للمرأة باسمه.. وتُظلم المرأة تحت شعاراته.. هل الأزمة أزمة الشريعة أم المنتسبون لها الذين أساؤوا الفهم أو التطبيق؟
بحثنا في الآراء المتعلقة بتلك القضية.. واخترنا من بين تلك الآراء هذا الرأي للأستاذة الدكتورة/ سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود.. رئيس تحرير مجلة الشقائق
كتبت د. سارة قائلة: عندما خلق لله جل وعلا الخلق، لم يخلقه عبثاً، ولم يتركه هملاً، ولكنه خلقه لغاية عظمى، وهدف سام نبيل، خلقه لعبادته، وعمارة الأرض بالحق والعدل، قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ” (الذاريات:56). وأرسل لهم الرسل لتدلهم على الحق، وتبين لهم طريق الخير من الشر، ولكي تتحقق هذه الغاية من الخلق، فإن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون المجال أمام الإنسان مفتوحاً: للإيمان أو الكفر، وللحركة أو السكون، وللعمل أو القعود، وللطاعة أو المعصية، وللعبادة أو الامتناع، وهذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وجدت حرية تمكن الإنسان من التحرك خلالها إلى الوجهة التي يرومها، ويقتنع بها.
الحرية الشخصية.. قوام حياة الإنسان
ومن هنا كانت الحرية الشخصية بأبعادها المختلفة قوام حياة الإنسان، وأساس كيانه المعنوي، وتفاعله مع ظروف مجتمعه، ومعطيات حياته.
وكلما كانت هذه الحرية مصانة، ومكفولاً تحققها، كان عطاء الإنسان أكبر، وازدهار المجتمعات أعظم. في حين أن المساس بهذه الحرية، أو التضييق عليها، أو مصادرتها، يعطل ملكات الإنسان، ويوقف حركته، ويهز ثقته بنفسه، وبمجتمعه، ومحيطه، ويحيله في النهاية إلى مجرد كائن مسلوب الإدارة، يحرك من قبل الآخرين كيفما شاءوا.
ونظراً إلى ما للحرية من أهمية في حياة الأفراد والجماعات، فقد شغلت هذه القضية، أو كما يعبر عنها [مشكلة الحرية] العلماء والمفكرين، والفلاسفة قديماً وحديثاً، فكثرت حولها الدراسات، وتعددت النظريات، وسنت القوانين الوضعية التي تحاول أن ترسم الأطر التي يمكن من خلالها تحقيق الحرية وحمايتها، وتقرير حقوق الإنسان – التي تهدر يوماً بعد يوم على الرغم من كثرة المعاهدات الدولية، والاتفاقات الرسمية، والمؤتمرات العالمية، التي لا تخرج قراراتها عن حدود سطور الوثائق التي دونت عليها.
ولكن ما هي الحرية؟ وما معناها؟.. وهل هي حرية مطلقة لا ضوابط لها، ولا قيود فيها؟
الحرية في الإسلام
1ـ الحرية الدينية
2- حرية الرأي
3- حرية التعليم
4- حرية العمل
5- حرية اختيار الزوج
6- الحرية الاقتصادية.. حرية التملك، (الملكية)
7- الحرية السياسية
والحرية حق طبيعي منحه الله لكل إنسان، وهي ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية، كما أنها المزية التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الكائنات.
ذلك أن الحرية مطلب إنساني هام تتجلى فيه إرادة الإنسان واختياره، وهي إحدى مقومات شخصيته التي حرص الإسلام على تربيتها وتهذيبها وتقويمها، لتظهر في أكمل صورة.
وبالتالي فإن الإسلام قد ضمن للإنسان حريته الكاملة، ولكن ضمن نطاق الدين وقيمه، ومبادئه، وأخلاقه لتكون حرية كاملة.
وفي الوقت ذاته لا تخل بالقيم، ولا تعتدي على حريات الآخرين، فكانت حرية: دينية، فكرية، سياسية، اجتماعية، تكمل كل واحدة منها الأخرى وتستلزمها، لا تحجر على أحد، ولا تقسر أحداً، ولا تقيد أحداً بأغلال تعارض العقل، وتناقض المنطق، وتصطدم بالقطرة، فهي الحرية التي تتيح الاختيار، وتقرر المسؤولية- في الوقت ذاته-أخلاقية كانت أو اجتماعية، وتنهيها في خضم المسؤولية الدينية التي تلزم الإنسان نتيجة عمله واختياره.
قال تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة” (المدثر:38)، “وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلا مَا سَعَى” (النجم:39).
فالإسلام يقرر الحرية، ويدعو إلى المحافظة عليها، بل ويشدد على ذلك، تشريفاً للإنسان وتكريماً له، وإعلاء لشأنه وفق ما اقتضته إرادة الله “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ…” (الإسراء:70).
هذا التكريم الذي أعطى للإنسان حرية عميقة الجذور ممتدة الفروع، شاملة للحريات بمختلف أشكالها وتعدد أنواعها، ومحررة له- الإنسان- من قيود الأسر سيداً للكون عبداً لله، لم تكن قصراً على الرجال دون النساء.
على حد سواء دون تفريق بينهما، أو تفضيل لأحدهما على الآخر، إلا في حالات نص فيها صراحة على اختصاص أحدهما بها دون الآخر، وهي حالات قليلة جداً تناسب طبيعة التكوين، والدور الذي يقوم به كل منهما.
أما ما سوى ذلك فهما فيه سواء. قال تعالى: “وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” (النساء:124)، “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” (النحل:97)، “لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا” (الفتح:5).
ومسألة الحرية- بالنسبة للرجال والنساء- لم تثر في صدر الإسلام، أو في عصوره المزدهرة، يوم أن كان الإسلام الصحيح مطبقاً بصورة عملية كاملة في حياة الأفراد والجماعات، لذا فإننا لا نجد في تراث فقهاء وعلماء السلف بحوثاً أو دراسات حول مسألة الحرية، لأن تمتع الإنسان المسلم، وغير المسلم، الرجل و المرأة بها حق شرعي لا مجال لمناقشته “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا” (الأحزاب:36)، ومن منطلق هذه القاعدة الشرعية، كانت مقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه:- (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). والتي تحولت إلى شعار تصدر به الدساتير المعاصرة، ومواثيق حقوق الإنسان.
ولكن حينما ضعفت الصلة بين المسلمين وأصول دينهم، بدأت المؤثرات البيئية، والتقاليد الاجتماعية، والأعراف الجاهلية، ت3قتحم على الأصول الشرعية مكانتها في تسيير حياة الناس، وتشوه معالم جمالها وعدالتها، فكان أن صودرت كثير من الحريات باسم الهوى، لا بأمر الدين، ونالت المرأة النصيب الأوفر من هذه المصادرة، وضيق عليها الخناق حتى سلبت معظم حقوقها، بل وإنسانيتها وكرامتها، التي قررها لها الشارع الحكيم، وحفظها لها.
ومن هنا، بدأنا نسمع صيحات ظلم تعلو هنا وهناك، وتقابلها صيحات تطالب بضرورة تحرير المرأة، وإعطائها حقوقها وحريتها المسلوبة، حتى وإن كان ذلك على حساب الدين وتعاليمه لها.
والواقع أن أصحاب هذه الصيحات انطلقوا من أرضية الواقع المهين الذين تعيشه المرأة المسلمة في كثير من البلاد الإسلامية التي أغفلت تعاليم الدين وتجاهلت ما جاء به في ما يخص المرأة، وبذا فقد كانت (قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية مثلاً بارزاً يجسد موقفي الغلو والتقصير، أو الأفراط والتفريط).
ومشكلة الحرية- للمرأة أو الرجل- لن تحل إلا إذا عاد الإسلام الصحيح ليحكم حياة الناس الاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، وطبقت العدالة الربانية.
وإذا أردنا أن نتتبع مجالات الحرية التي قررها الإسلام للإنسان بصورة عامة، وللمرأة بشكل خاص، فإن الأمر يصعب علينا كثيراً في مثل هذا المجال، لأننا في متسع من القول، وضيق من الوقت، لأن الأصل في القواعد الشرعية، هو أن دائرة الحرية والمباح، والحلال، أكبر بكثير من دائرة القيود، والممنوع، والحرام. فالأصل في وجود الإنسان الحرية إلا ما ورد فيه تقييد، كما أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد فيه نص بالمنع، لذا كانت نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة لا تحدد الحريات والمباحات، لأنها مما يمكن حصره وذكره، فمساحة حرية الإنسان- المرأة والرجل- تمتد واسعة الآفاق، لتشمل مواقفه واختياراته في الحياة، وأعماله، وأهدافه، ومعطياته.
ولأننا هنا في مجال الحديث عن حرية المرأة في الإسلام، فإننا سنكتفي بذكر بعض جوانب الحرية التي أعطاها الإسلام للمرأة… يتبع
______________________________________
المصدر: بتصرف يسير عن موقع مجلة لها