لعل السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا الأيام وما ستتلوها من أيام ما بعد رمضان .. ماذا استفدنا من الشهر الفضيل؟ ماذا استفدنا من مدرسة الصيام؟ ما الدروس التي يمكننا أن نخرج بها من تلك الأيام الفاضلة التي قضيناها في العبادة وتلذذنا فيها بالطاعة؟
د.محمد بن عدنان السمان
لا يخفى على شريف أن الدروس كثيرة، لكننا سنعرج إلى جزء منها؛ لكي يكون رمضان لنا محطة تغيير نحو الأفضل في حياتنا، ولكي نستفيد من هذا الشهر الكريم فيلقي بظلاله على كافة شهور العام، فنكون بذلك حققنا ما يصبو إليه الصيام من فوائد ومنافع.
ما بعد رمضان.. دروس مستفادة
درس التقوى
أما أول الفوائد من دروس رمضان والصيام فهو درس التقوى، والتقوى وصية الله للأولين والآخرين من عباده، هي تقواه، قال تعالى: “وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلِّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا” (النساء: 131).
ومعنى التقوى، تقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه، إنه مفهوم عظيم كبير؛ إذ الصائم في رمضان كان مستشعرًا لهذا المعنى أثناء صيامه، فمبدأ التقوى هو السرُّ الحقيقي في الصوم، فالله عز وجل يقول في محكم التنزيل: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).
ومن ثم ينبغي لنا بل يجب أن نستشعر مفهوم التقوى في جميع مناحي الحياة، في رمضان وبعد رمضان؛ إذ التقوى ليست محصورة في أيام أو في عبادات أو معاملات معينة، بل التقوى شاملة لحياة المسلم كلها، إن معنى التقوى.. أي اتقِ عذابه بطاعته، اتقِ سخطه برضوانه، اتقِ الكفر بالإيمان، اتقِ الشرك بالتوحيد، اتقِ إتلاف المال بحسن كسبه، اتقِ سَخَطَ الله بحسن إنفاق المال، اتقِ الله في حواسك بأن تجعلها في طاعة الله تعالى، اتق الله في عينيك بأن تَغُضها عن محارم الله، اتق الله في أذنيك بأن لا تسمع بها إلا الحق، اتق الله في لسانك بأن لا تقول إلا الصدق والحق، وأن تنزهه عن ما حرَّم الله من الغيبة والنميمة والكذب وغيرها.
التقوى تكون مع نفسك بأن تلزمها الحق وتكفها عن الباطل، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ” (الحديد: 28). التقوى مع أولادك بأنهم تجنبهم مواطن الردى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ” (التحريم: 6)، التقوى مع غيرك بأن تعاملهم بما يرضي الله.
المسلم الذي يتقي ربه، تكون تقوى الله ومراقبته، حاضرة معه في كل مكان، في بيته، وفي عمله، مع نفسه، ومع زوجته، ومع أولاده، ومع زملائه، حينما يكون مع الناس، وعندما يخلو بنفسه لا يراه إلا رب الناس.
درس الإرادة
هذا أول الدروس المستفادة من رمضان، أما ثاني الدروس، وهو درس من الأهمية بمكان، وهو درس الإرادة؛ فالمسلم في رمضان يخالف عاداته ويتحرر من أسرها، ويترك مألوفاته التي هي مما أحل الله لعباده، فتراه ممتنعًا عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان امتثالاً لأوامر الله، وهكذا يصبح الصوم عند المسلم مجالاً رحبًا لتقوية الإرادة الجازمة؛ فيستعلي على ضرورات الجسد، ويتحمل ضغطها وثقلها إيثارًا لما عند الله -تعالى- من الأجر والثواب.
إن هذا الدرس العظيم يقودنا بأن نعرف حقيقة في النفس البشرية أنها قادرة -بعد توفيق الله سبحانه- بإرادتها وعزيمتها على الابتعاد عن الحرام، وعليه فمدرسة رمضان كانت درسًا مجانيًّا لإخواننا المدخنين بأنهم بإمكانهم ترك هذه الآفة الضارة، متى ما هم قرروا ذلك، وسألوا قبل ذلك وبعده العون من الله سبحانه.
درس المداومة على الطاعات
ثم إن من أعظم الدروس المستفادة من هذا الشهر العظيم درس المداومة على الطاعة؛ فشهر رمضان الكريم موسم تنوع الطاعات والقربات، إذ المسلم في هذه الأيام الفاضلة يتقلب في أنواع من الطاعات والعبادات، وهو مع ذلك كله حريص عليها، فإذا كان رب رمضان هو رب جميع الشهور كما نعلم، فحريٌّ بالمسلم أن يخرج من مدرسة رمضان بإقبال على الصلاة والخشوع فيها وصلاتها مع جماعة المسلمين، حريٌّ بالمسلم أن يجعل من القرآن الكريم منهج حياة له بتلاوته وتدبره، ما أجمل أن يداوم المسلم على قراءة القرآن بعد رمضان! وأن يجعل له وردًا يوميًّا يقرؤه، فيعيش مع القرآن، ويكون له بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.
لقد صلينا في رمضان صلاة التراويح والتهجد، ووجدنا فيهما لذة المناجاة وعظم سماع القرآن، فلنجعل من هذه الدروس مثالاً لنا بأن نجعل من ساعات الليل نصيبًا من صلاتنا وتقربنا إلى الله، ولا يغلبن أحدنا عن صلاة الوتر كل ليلة؛ ففيها الأجر العظيم من الله.
إن من أجلّ حكم الصيام غرس القيم والفضائل والخلق الحسن في نفوس الصائمين، والصوم ليس حرمانًا مؤقتًا من الطعام والشراب، بل هو خطوة لحرمان النفس من الشهوات المحظورة والنزوات المنكرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) (رواه البخاري).
لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا واضحًا لحسن الأخلاق في شهر رمضان، حين قال صلى الله عليه وسلم: (… فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم). فيرسم النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر هذا المثال أوضح المعاني على تأثُّر الصائم الكريم بالأخلاق الفاضلة.
إن الأخلاق الفاضلة التي يدعو لها الإسلام تكفل للمتصف بها أعلى المنازل في الجنة، وأفضل المنازل في قلوب الناس.
__________________________________
المصدر: بتصرف عن موقع قصة الإسلام