” هل وساوس الشيطان سبب كافٍ يمكن أن يدفع الإنسان نحو دوامات الشكوك ثم الإلحاد؟.. سؤال تحاول الاستشارة التالية الإجابة عليه”
د. أحمد عبد الكريم نجيب
السؤال: “كنتُ فيما مضى أقترفُ ذنوباً كثيرة، ثمّ تبت إلى الله تعالى والحمد لله، ولكنّي تعرّضت بعد ذلك إلى وساوس شيطانيّة مختلفة وأصبحت تسيطر علي تفكيري، وتزداد عند الصلاة وقراءة القرءان، حيث يقع في نفسي أنّي فاسدُ النيّة، وأن صلاتي ليست لله، وأنني غير مسلم.
وأنا الآن أعيش في عزلة وأبكي باستمرار خوفاً من الله عز وجل وخشيةَ غضبه وعقابه، حتى أنّي لم أعُد أنام الليل من شدّة التفكير، فبماذا تنصحوني جزاكم الله خيراً؟
الجواب: لا تضجر أخي السائل ممّا تجد في نفسك فأنت بخير، ولا تدَع الشيطان يقطع عليك الطريق بوساوسه فيصرفك عن عبادة الله وطاعته، إذ إنّك لو لم تكُن من أهل الإسلام لما صلّيتَ أصلاً ولما قرأت القرآن، ولما ندِمتَ على تفريطك في جنب الله ولا تبتَ من بعض المعاصي.
ولو لم تكن مؤمناً بالله تعالى واليوم الآخر فلماذا تخاف من النار، ولماذا تبكي من خشيته تعالى؟ وهل الكافر يرجو رحمة الله أو يخاف عقابه؟ إنّ من تلبيس إبليس على العبد أن يوسوس له فيشكّكه في نيّته، ليصرفه عن طاعة الله تعالى، ويوقعه في حبائل المعاصي والآثام؛ فإذا عَرض لك وسواس فأعرض عنه واستعذ بالله منه، وامضِ في عِبادتك.
قال تعالى: “وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الأعراف: 200)
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: مَعْنَى “يَنْزَغَنَّكَ“: يُصِيبَنَّكَ ويَعْرِض لَك عِنْد الْغَضَب وسْوَسَة بِمَا لا يَحِلّ.”فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ” أَيْ: اُطْلُبْ النَّجَاة مِنْ ذَلِكَ بِاَللَّهِ. فَأَمَرَ تَعَالَى أَنْ يُدْفَع الْوَسْوَسَة بِالالْتِجَاءِ إِلَيْهِ والاسْتِعَاذَة بِهِ.
وإن عَرض لك الشيطان بوساوسه أثناء الصلاة فاستعذ بالله منه وانفث (اتفل بدون ريق) عن شمالك ثلاثاً وأتمَّ صلاتك، فقد روى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثاً). قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّى.
وساوس الشيطان .. علامة الإيمان المحض!
وإن كانت وساوس الشيطان من باب التشكيك وإثارة التساؤلات المُريبة في نفسك، فلا تأبه بها، ولا تشغل نفسك بالبحث والتفكير فيها، فقد ابتُلي بها قَبلَك أكمل الناس إيماناً بعد الأنبياء، وثبت ذلك فيما رواه مسلم وأبو داود وأحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِى أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: وقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ (ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) وَ فِي روَايَةٍ أُخْرَى: (سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ الْوَسْوَسَةِ؟ فَقَالَ: (تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: (ذلك صريح الإيمان، ومحض الإيمان) معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده؛ إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك… وقيل: معناه أن وساوس الشيطان لا تكون إلا لمن أيِسَ من إغوائه فيُنَكِّدُ عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد. فعلى هذا معنى الحديث: سببُ وساوس الشيطان محضُ الإيمان، أو: الوسوسة علامةُ محض الإيمان. وهذا القول اختيار القاضي عياض اهـ.
وروى مسلمٌ أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ، حَتَّى يُقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ)، وفي رواية: (يَأْتِي الشَّيْطَان أَحَدكُمْ فَيَقُول: مَنْ خَلَقَ كَذَا وكَذَا؟ حَتَّى يَقُول لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبّك؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ)
ولا يفوتنّك أخي المسلم أن الإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن، والمواظبة – خاصّةً – على أذكار اليوم والليلة، حتى يَصرف الله عنك ما يسوؤك من وساوس الشيطان اللعينة، ويطمئن قلبك “الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد:28)، وبالله التوفيق.
____________________________________
المصدر: موقع صيد الفوائد